قوله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٨٢]، " أي: لو كان هذا القرآن مختلقاً كما يزعم المشركون والمنافقون" (١).
قال ابن كثير: " أي: لو كان مفتعلا مختلقا، كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم" (٢).
قوله تعالى: ﴿لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢]، " أي: لوجدوا فيه تناقضاً كبيراً في أخباره ونظمه ومعانيه" (٣).
قال الطبري: اي: " لاختلفت أحكامه، وتناقضت معانيه، وأبان بعضه عن فساد بعض" (٤).
قال قتادة: " أي قول الله لا يختلف فيه، حق ليس فيه باطل كقول الناس يختلف" (٥).
وقال ابن عباس في رواية الكلبي: " أي تفاوتًا وتناقضًا كثيراً" (٦).
قال مقاتل: ﴿اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ " يعني: كذبا كبيرا، لأن الاختلاف في قول الناس، وقول الله- عز وجل- لا اختلاف فيه" (٧).
قال ابن كثير: ﴿اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾، " أي: اضطرابا وتضادًّا كثيرًا. أي: وهذا سالم من الاختلاف، فهو من عند الله" (٨).
قال الزمخشري: " لكان الكثير منه مختلفا متناقضا قد تفاوت نظمه وبلاغته ومعانيه، فكان بعضه بالغا حد الإعجاز، وبعضه قاصرا عنه يمكن معارضته، وبعضه إخبارا بغيب قد وافق المخبر عنه، وبعضه إخبارا مخالفا للمخبر عنه، وبعضه دالا على معنى صحيح عند علماء المعاني. وبعضه دالا على معنى فاسد غير ملتئم، فلما تجاوب كله بلاغة معجزة فائتة لقوى البلغاء وتناصر صحة معان وصدق إخبار، علم أنه ليس إلا من عند قادر على ما لا يقدر عليه غيره، عالم بما لا يعلمه أحد سواه. فإن قلت: أليس نحو قوله: ﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٠٧، الشعراء: ٣٢]، ﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ [النمل: ١٠، القصص: ٣١]، ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر: ٩٢]، ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾ [الرحمن: ٣٩] من الاختلاف؟ قلت: ليس باختلاف عند المتدبرين" (٩).
قال ابن المنكدر: " إنما يأتي الاختلاف من قلوب العباد، فأما ما جاء من عند الله فليس فيه اختلاف" (١٠).
عن ابن وهب قال، قال ابن زيد: "إن القرآن لا يكذّب بعضه بعضًا، ولا ينقض بعضه بعضًا، ما جهل الناس من أمرٍ، فإنما هو من تقصير عقولهم وجهالتهم! وقرأ: ﴿ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا﴾. قال: فحقٌّ على المؤمن أن يقول: كل من عند الله، ويؤمن بالمتشابه، ولا يضرب بعضه ببعض وإذا جهل أمرًا ولم يعرف أن يقول: الذي قال الله حق، ويعرف أن الله تعالى لم يقل قولا وينقضه، ينبغي أن يؤمن بحقيقة ما جاء من الله" (١١).
قال الشافعي: " أبى الله أن يكون كتاب صحيح غير كتابه، يدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾، الآية" (١٢).
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾ [النساء: ٨٢]، أربعة اقوال:
أحدها: تناقض من جهة حق وباطل، وهذا قول قتادة (١٣)، وابن زيد (١٤).
(٢) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٦٤.
(٣) صفوة التفاسير: ٢٦٨.
(٤) تفسير الطبري: ٨/ ٥٦٧.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٦٧٩): ص ٣/ ١٠١٣.
(٦) تنوير المقباس" بهامش المصحف: ٩١، والتفسير البسيط للواحدي: ٦/ ٦٣٢.
(٧) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٩٢ - ٣٩٣.
(٨) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٦٤ - ٣٦٥.
(٩) الكشاف: ١/ ٥٤٠.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٦٨٠): ص ٣/ ١٠١٤.
(١١) أخرجه الطبري (٩٩٨٨): ص ٨/ ٥٦٧ - ٥٦٨.
(١٢) تفسير الإمام الشافعي: ٢/ ٦٣١.
(١٣) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٦٧٩): ص ٣/ ١٠١٣.
(١٤) انظر: تفسير الطبري (٩٩٨٨): ص ٨/ ٥٦٧ - ٥٦٨.