منهم، أفشوه وبثّوه في الناس قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل مأتَى سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم" (١).
قال السدي: "يقول: إذا جاءهم أمر أنهم قد أمنوا من عدوهم أو أنهم خائفين منه" (٢)، " ﴿أذاعوا به﴾، يقول: بالحديث، حتى يبلغ عدوهم أمرهم" (٣).
قال ابن عباس: " يقول: أفشوه وسعوا به" (٤). وروي عن عكرمة (٥)، وقتادة (٦)، وعطاء الخراساني (٧)، وابن جريج (٨) نحو ذلك.
قال الثعلبي: " وذلك أن رسول الله ﷺ كان يبعث السرايا فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون إلى الاستفسار عن حال السرايا فيفشون ويحدثون به قبل أن يحدث به رسول الله ﷺ فأنزل الله: ﴿وإذا جاءهم﴾، يعني: المنافقين" (٩).
قال الزمخشري: " هم ناس من ضعفة المسلمين الذين لم تكن فيهم خبرة بالأحوال ولا استبطان للأمور، كانوا إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله ﷺ من أمن وسلامة أو خوف وخلل أذاعوا به وكانت إذاعتهم مفسدة" (١٠).
عن ابن عباس: "كل شيء في القرآن: ﴿ولو﴾، فإنه لا يكون أبدا" (١١).
عن الضحاك: ﴿أذاعوا به﴾، يقول: فشوه وسعوا به، وهم أهل النفاق" (١٢).
قال الزجاج: ﴿أَذَاعُوا بِهِ﴾، " أي: أظهروه ونادوا به في الناس" (١٣)، ومنه قول أبي الأسود (١٤):

أَذَاعَ بِهِ فِي النَّاسِ حَتَّى كَأَنَّهُ بِعَلْيَاءَ نَارٌ أُوقِدَتْ بِثَقُوبِ
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣]، "أي: ولو ترك هؤلاء الكلام بذلك الأمر الذي بلغهم، وردوه إِلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - وإِلى كبراء الصحابة وأهل البصائر منهم، لَعَلِمَ حقيقة معناه أهل الاستنباط منهم" (١٥).
قال الزجاج: أي: " ولو ردوا ذلك إلى أن يأخذوه من قبل الرسول ومن قبل أولي الأمر منهم، أي من قبل ذوي العلم والرأي منهم" (١٦).
قال الزمخشري: " ولو ردوا ذلك الخبر إلى رسول الله ﷺ وإلى أولى الأمر منهم- وهم كبراء الصحابة البصراء بالأمور أو الذين كانوا يؤمرون منهم" (١٧).
(١) تفسير الطبري: ٨/ ٥٦٨.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٦٨١): ص ٣/ ١٠١٤.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٦٨٥): ص ٣/ ١٠١٥.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٦٨٣): ص ٣/ ١٠١٤.
(٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٦٨٣): ص ٣/ ١٠١٤.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٩٩٩٠): ص ٨/ ٥٦٩.
(٧) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٦٨٣): ص ٣/ ١٠١٤.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٩٩٩٣): ص ٨/ ٥٧٠.
(٩) تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٥٠، وانظر: تفسير البغوي: ٢/ ٢٥٥.
(١٠) الكشاف: ١/ ٥٤٠ - ٥٤١.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٦٨٦): ص ٣/ ١٠١٥.
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٦٨٤): ص ٣/ ١٠١٤.
(١٣) معاني القرآن: ٢/ ٨٣.
(١٤) ديوانه (في نفائس المخطوطات: ٢): ٤٤، والأغاني ١٢: ٣٠٥، مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٣٣، اللسان (ذيع)، من أبيات قالها أبو الأسود الدؤلي لما خطب امرأة من عبد القيس يقال لها أسماء بنت زياد، فأسر أمرها إلى صديق له، فحدث الصديق ابن عم لها كان يخطبها، فمشى ابن عمها إلى أهلها وسألهم أن يمنعوها من نكاحه، ففعلوا، وضاروها حتى تزوجت ابن عمها، فقال أبو الأسود:
أَمِنْتُ امْرءَا فِي السَّرِّ لَمْ يَكُ حَازِمًا ولكِنَّهُ فِي النُّصْحِ غَيْرُ مُرِيبِ
أَذَاعَ بِهِ فِي النَّاسِ، حَتَّى كأنَّهُ بِعَلْيَاءَ نَارٌ أُوقِدَتْ بِثُقوبِ
وَكُنْتَ مَتَى لَمْ تَرْعَ سِرَّكَ تَلْتَبِسْ قَوَارِعُهُ مِنْ مُخْطِئٍ وَمُصِيبِ
فَمَا كُلُّ ذِي نُصْحٍ بِمُؤْتِيكَ نُصْحَهُ وَمَا كُلُّ مُؤْتٍ نُصْحَهُ بِلَبِيبِ
وَلكِنْ إِذَا مَا اسْتُجْمِعَا عِنْدَ وَاحِدٍ، فَحُقَّ لهُ مِنْ طَاعَةٍ بِنَصِيبِ
وهي أبيات حسان كما ترى، و " الثقوب ": ما أثقبت به النار، أي أوقدتها.
(١٥) انظر: صفوة التفاسير: ٢٦٨، والتفسير الميسر: ٩١.
(١٦) معاني القرآن: ٢/ ٨٣.
(١٧) الكشاف: ١/ ٥٤١.


الصفحة التالية
Icon