قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾ [النساء: ٨٤]، "أي: هو سبحانه أشد قوة وسطوة، وأعظم عقوبة وعذاباً" (١).
قال الزمخشري: " والله أشد بأسا من قريش وأشد تنكيلا تعذيبا" (٢).
قال الطبري: أي: " والله أشد نكاية في عدوه، من أهل الكفر به منهم فيك يا محمد وفي أصحابك، فلا تنكُلَنَّ عن قتالهم، فإني راصِدُهم بالبأس والنكاية والتنكيل والعقوبة، لأوهن كيدهم، وأضعف بأسهم، وأعلي الحق عليهم" (٣).
قال ابن كثير: " أي: هو قادر عليهم في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مَنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٤] " (٤).
قال مقاتل: ﴿بَأْسًا﴾ " يعنى: أخذا، ﴿وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾، يعني: نكالا، يعني عقوبة من الكفار" (٥).
قال سفيان: " ﴿وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾، أي تعسرا" (٦).
عن قتادة قوله: " ﴿والله أشد بأسا وأشد تنكيلا﴾، أي: عقوبة" (٧).
قال الراغب: " قوله: ﴿والله أشد بأسا وأشد تنكيلا﴾، تنبيه أنك لا تحتاج أن تقصر عن قتالهم، فالله معك، وهو أشد بأسا من عداك، فلا يجب أن ينكادك من تاخر عنك، و «التنكيل»: مصدر نكلت به، والنكال العقوبة التي تنكل المعاقب وغير المعاقب عن إتيان مثله، وأصله من النكل، وهو ضرب من القيد، ومنه نكل عن الشيء" (٨).
قال ابن الجوزي: " وقد زعم بعض منتحلي التفسير أن قوله: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾ [النساء: ٨٤] منسوخ بآية السيف (٩)، فكأنه استشعر أن معنى الكلام: لا تكلف أن تقاتل أحدا، وليس كذلك، إنما المعنى: لا تكلف في الجهاد إلا فعل نفسك" (١٠).
الفوائد:
١ - فضيلة الجهاد في سبيل الله، وأنه ينبغي لكل مؤمن أن يجاهد ولو وحده، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله لا قاتلنهم حتى تنفرد (١١) سالفتي" (١٢).
وقول أبي بكر وقت الردة: ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي" (١٣).
٢ - ومن الفوائد: حث المؤمنين على القتال، وتحريك هممهم إلى الشهادة.
٣ - أن هذه الآية في الغاية القصوى من التحريض على القتال وخوض المعارك، فلا يكلف إلا النبي وحده إذا امتنع المسلمون عن مشاركته في الجهاد، والمعنى لا تدع جهاد العدو والاستنصار عليهم للمستضعفين من المؤمنين، ولو وحدك لأنه وعده بالنصر (١٤).
القرآن
﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (٨٥)﴾ [النساء: ٨٥]
التفسير:
من يَسْعَ لحصول غيره على الخير يكن له بشفاعته نصيب من الثواب، ومن يَسْعَ لإيصال الشر إلى غيره يكن له نصيب من الوزر والإثم. وكان الله على كل شيء شاهدًا وحفيظًا.
(٢) الكشاف: ١/ ٥٤٢.
(٣) تفسير الطبري: ٨/ ٥٨٠.
(٤) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٦٨.
(٥) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٩٣.
(٦) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٧١٠): ص ٣/ ١٠١٨.
(٧) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٧٠٩): ص ٣/ ١٠١٨.
(٨) تفسير الرابغ الأصفهاني: ٣/ ١٣٥٦ - ٣/ ١٣٥٨.
(٩) ذكر النسخ هنا ابن سلامة في ناسخه: ٣٨..
(١٠) نواسخ القرآن: ٢/ ٣٧٩.
(١١) أي حتى أموت. والسالفة: صفحة العنق، وكنى بانفرادها عن الموت، لأنها لا تنفرد عما يليها الا به..
(١٢) أخرجه البخاري (٢٧٣١ - ٢٧٣٢) من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم.
(١٣) انظر: معاني القرآن للزجاج: ٢/ ٨٥، وتفسير السمرقندي: ١/ ٣٢٢، وتفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ١٣٥٦، والمحرر الوجيز: ٢/ ٨٦.
(١٤) انظر: التفسير المنير للزحيلي: ٥/ ١٨٠.