قوله تعالى: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٥]، أي: " من يَسْعَ لحصول غيره على الخير يكن له بشفاعته نصيب من الثواب" (١).
قال ابن كثير: " أي: من سعى في أمر، فترتب عليه خير، كان له نصيب من ذلك" (٢).
قال الواحدي: " هي كلُّ شفاعة تجوز في الدِّين، كان له فيها أجر" (٣).
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٥]، أي: " ومن يَسْعَ لإيصال الشر إلى غيره يكن له نصيب من الوزر والإثم" (٤).
قال مقاتل: " وهو الرجل يذكر أخاه بسوء عند رجل فيصيبه عنت منه، فيأثم المبلغ، ﴿يكن له كفل منها﴾، يعني إثما من شفاعته" (٥).
قال ابن كثير أي: يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله ﷺ قال: «اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء» (٦) " (٧).
في «الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة»، أقوال:
أحدها: أنه في شفاعات الناس بينهم في حوائجهم، فمن يشفع لينفع فله نصيب، ومن يشفع ليضر فله كفل، وهذا قول الحسن (٨)، ومجاهد (٩)، وابن زيد (١٠).
والثاني: أن المعنى: من يشفع وتر الإسلام بالمعونة للمسلمين، أو من يشفع وتر الكفر بالمعونة على الإسلام، ودله على هذا التأويل ما تقدم من أمر القتال. وهذا قول الطبري (١١).
والثالث: أن «الشفاعة الحسنة» هي في البر والطاعة، والسيئة هي في المعاصي. وهذا قول الحسن أيضا (١٢).
والرابع: أن الشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين، لأنها في معنى الشفاعة إلى الله، والشفاعة السيئة الدعاء عليهم، لأن اليهود كانت تفعل ذلك فتوعَّدَهُم الله عليه (١٣).
قال ابن عطية: " وهذا كله قريب بعضه من بعض" (١٤).
قال الزمخشري: " الشفاعة الحسنة: هي التي روعي بها حق مسلم، ودفع بها عنه شر أو جلب إليه خير. وابتغى بها وجه الله ولم تؤخذ عليها رشوة، وكانت في أمر جائز لا في حد من حدود الله ولا في حق من الحقوق. والسيئة: ما كان بخلاف ذلك. وعن مسروق أنه شفع شفاعة فأهدى إليه المشفوع جارية، فغضب وردها وقال: لو علمت ما في قلبك لما تكلمت في حاجتك، ولا أتكلم فيما بقي منها" (١٥).
وفي الكِفْلِ تأويلان:
أحدها: أنه الوِزر والإثم، وهو قول الحسن (١٦)، وقتادة (١٧).
والثاني: أنه النصيب، كما قال تعالى: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] وهو قول السدي (١٨)، وقتادة في إحدى الروايات (١٩)، والربيع (٢٠)، وابن زيد (٢١)، وأبي عبيدة (٢٢).

(١) التفسير الميسر: ٩١.
(٢) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٦٨.
(٣) الوجيز: ٢٧٩.
(٤) التفسير الميسر: ٩١.
(٥) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٩٤.
(٦) أخرجه الحميدي (٧٧١)، واحمد: ٤/ ٤٠، ٤٠٩، ٤١٣، والبخاري: ١٤/ ٢، ٨، و ١٥/ ٨، و ٩/ ١٧١، ومسلم: ٨/ ٣٧، وأبو داود (٥١٣١)، و (٥١٣٣)، والترمذي (٢٦٧٢)، والنسائس: ٥/ ٧٧.
(٧) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٦٨.
(٨) انظر: تفسير الطبري (١٠٠١٧): ص ٨/ ٥٨١ - ٥٨٢.
(٩) انظر: تفسير الطبري (١٠٠١٥): ص ٨/ ٥٨١.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (١٠٠١٩): ص ٨/ ٥٨٢.
(١١) انظر: تفسير الطبري: ٨/ ٥٨١.
(١٢) انظر: المحرر الوجيز: ٢/ ٨٦.
(١٣) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥١٢.
(١٤) المحرر الوجيز: ٢/ ٨٦.
(١٥) الكشاف: ١/ ٥٤٣.
(١٦) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥١٢.
(١٧) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٥٧١٨): ص ٣/ ١٠١٩.
(١٨) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٢١): ص ٨/ ٥٨٢.
(١٩) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٢٠): ص ٨/ ٥٨٢.
(٢٠) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٢٢): ص ٨/ ٥٨٢.
(٢١) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٢٣): ص ٨/ ٥٨٢ - ٥٨٣.
(٢٢) انظر: تفسير ابن المنذر (٢٠٦٥): ص ٢/ ٨١٣.


الصفحة التالية
Icon