والراجح-والله أعلم- أن: " «الكفل»، النصيب والحظ من الوزر والإثم، وهو مأخوذ من: كِفل البعير والمركب، وهو الكساء أو الشيء يهيأ عليه شبيه بالسرج على الدابة" (١).
قوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾ [النساء: ٨٥]، أي: " وكان الله على كل شيء شاهدًا وحفيظًا" (٢).
وفي قوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾ [النساء: ٨٥]، وجوه:
أحدها: يعني مقتدراً، وهو قول السدي (٣)، وابن زيد (٤)، وسعيد بن جبير (٥).
والثاني: حفيظاً، وهو قول ابن عباس (٦)، والزجاج (٧)، وأبي عبيدة (٨).
والثالث: شهيداً، وهو قول مجاهد (٩).
والرابع: حسيباً، وهو قول ابن الحجاج (١٠)، ويحكى عن مجاهد أيضاً (١١).
والخامس: مجازياً (١٢).
والسادس: القائم على كل شيء بالتدبير. وهذا قول عبدالله بن كثير (١٣).
والسادس: ان المقيت: الرازق. وهذا قول الضحاك (١٤).
والراجح-والله أعلم- ان " معنى «المقيت»: القدير، وذلك أن ذلك فيما يُذكر، كذلك بلغة قريش، وينشد للزبير بن عبد المطلب عمّ رسول الله ﷺ (١٥):

وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْهُ وَكُنْتُ عَلَى مَسَاءتِهِ مُقِيتَا
أي: قادرًا. وقد قيل إن منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: - «كفى بالمرء إثما أن يُضِيعَ من يُقيت» (١٦)، في رواية من رواها: «يُقيت»، يعني: من هو تحت يديه وفي سلطانه من أهله وعياله، فيقدّر له قوته. يقال منه: أقات فلان الشيء يقتيه إقاتة، وقاته يقوته قياتةً وقُوتًا، والقوت، الاسم، وأما «المقيت» في بيت اليهوديّ الذي يقول فيه (١٧):
لَيْتَ شِعْرِي، وَأَشْعُرَنَّ إِذَا مَا قَرَّبُوهَا مَنْشُورَةً وَدُعِيتُ!
أَلِيَ الْفَضْلُ أَمْ عَلَيَّ إذا حُوسِبْتُ؟ إِنِّي عَلَى الْحِسَابِ مُقِيتُ
فإن معناه: فإنّي على الحساب موقوف، وهو من غير هذا المعنى" (١٨).
الفوائد:
١ - أن الشفاعات الدنيوية منها ما هو مشروع، ومنها ما ليس بمشروع، وهي تنقسم إلى قسمين:
(١) تفسير الطبري: ٨/ ٥٨١.
(٢) التفسير الميسر: ٩١.
(٣) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٢٩): ص ٨/ ٥٨٤.
(٤) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٣٠): ص ٨/ ٥٨٤.
(٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٧٢٢): ص ٣/ ١٠٢٠.
(٦) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٢٤): ص ٨/ ٥٨٣.
(٧) انظر: معاني القرآن: ٢/ ٨٥.
(٨) انظر: تفسير ابن المنذر (٢٠٦٩): ص ٢/ ٨١٤.
(٩) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٢٥): ص ٨/ ٥٨٣.
(١٠) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥١٣.
(١١) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٧٢٤): ص ٣/ ١٠٢٠.
(١٢) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥١٣.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٢٩): ص ٨/ ٥٨٤.
(١٤) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٧٢٣): ص ٣/ ١٠٢٠.
(١٥) انظر: اللسان، مادة"قوت"، وطبقات فحول الشعراء: ٢٤٢، ٢٤٣..
(١٦) رواه أحمد في مسنده، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رقم: ٦٤٩٥، ٦٨١٩، ٦٨٢٨، ٦٨٤٢، والحاكم في المستدرك ١: ٤١٥، وهو حديث صحيح، وروايته " يقوت ".
(١٧) البيت لسموال بن عادياء اليهودي، انظر: ديوانه: ١٣، ١٤، والأصمعيات: ٨٥، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٣٥، وطبقات فحول الشعراء للجمحي: ٢٣٦، ٢٣٧، اللسان (قوت) وغيرها. وقوله: " ليت شعري ": أي ليتني أعلم ما يكون. وقوله: " وأشعرن " استفهام، أي: وهل أشعرن. وقوله: " قربوها منشورة " يعني: صحف أعماله يوم يقوم الناس لرب العالمين. وفي البيت روايات أخر..
(١٨) تفسير الطبري: ٨/ ٥٨٤ - ٥٨٥.


الصفحة التالية
Icon