أحدهما: شفاعة حسنة، ومثالها: إذا استشفع شخص بشخص آخر عند ذي مال أو منصب أو سلطان ليشفع له عنده برفع حاجته إليه، لإظهار حقه أو إزالة الضرر والظلم عنه، فإنَّ تلك الشفاعة جائزة، وينال فاعلها الثواب من الله تبارك وتعالى، بدليل قوله تعالى: ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا﴾، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ﷺ ما شاء" (١).
والثاني: الشفاعة السيئة: وهي ما إذا استشفع شخصٌ بشخص آخر في تعطيل حد من الحدود، أو إسقاط حق من الحقوق، أو إلحاق الضرر بآخر، فإنَّ تلك الشفاعة غير جائزة، وينال فاعلُها العقاب، بدليل قوله تعالى: ﴿وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا﴾.
وقد أمر الله تعالى عباده بالتعاون على فعل الخيرات، ونهاهم عن المنكرات، فقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾] المائدة: ٢].
٢ - إثبات اسمه تعالى «المقيت»: يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه مُقِيت، يقدر لعباده القوت، ويحفظ عليهم رزقهم، وهذا ثابت بالكتاب العزيز. والمقيت من أسمائه تعالى.
القرآن
﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (٨٦)﴾ [النساء: ٨٦]
التفسير:
وإذا سلَّم عليكم المسلم فردُّوا عليه بأفضل مما سلَّم لفظًا وبشاشةً، أو ردوا عليه بمثل ما سلَّم، ولكل ثوابه وجزاؤه. إن الله تعالى كان على كل شيء مجازيًا.
سبب نزول الآية:
قال مقاتل والثعلبي: " نزلت في نفر بخلوا بالسلام" (٢).
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ﴾ [النساء: ٨٦]، " أي: إِذا سلّم عليكم المسلم" (٣).
قال ابن عباس: " من سلم عليك من خلق الله" (٤).
قال الطبري: أي: " إذا دعي لكم بطول الحياة والبقاء والسلامة" (٥).
قال ابن ابي زمنين: " التحية: السلام" (٦).
في المراد بالتحية ها هنا قولان:
أحدهما: أنه الدعاء بطول الحياة والبقاء والسلامة. وهذا قول الطبري (٧).
والثاني: أنه السلام، وهو تطوع مستحب، ورده فرض. وهذا قول الحسن (٨).
قال السمعاني: " أكثر المفسرين على أن المراد بالتحية هاهنا: السلام، وأصل التحية: هو دعاء بالحياة، وهو في الشريعة عبارة عن السلام، والسلام: دعاء السلامة، وقد تكون التحية بمعنى: الملك والبقاء، ومنه: التحيات لله، ومنه قول زهير بن جناب (٩):
من كل ما نال الفتى... قد نلتُه إلا التحيهْ
يعني: إلا الملك" (١٠).
قوله تعالى: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦]، أي: " فردوا عليه بأفضل مما سلّم أو رُدُّوا عليه بمثل ما سلّم" (١١).

(١) صحيح البخاري بشرح الفتح ٣/ ٢٩٩ كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، ومسلم ٤/ ٢٠٢٦ كتاب البر والصلة، حديث رقم: ١٤٥، وأحمد في المسند ٤/ ٤٠٠..
(٢) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٩٤، وانظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٥٤
(٣) صفوة التفاسير: ٢٦٩، والتفسير الميسر: ٩١.
(٤) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٧٢٥): ص ٣/ ١٠٢٠.
(٥) تفسير الطبري: ٨/ ٥٨٦.
(٦) تفسير ابن ابي زمنين: ١/ ٣٩٢.
(٧) انظر: تفسي الطبري: ٨/ ٥٨٥.
(٨) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٤٦): ص ٨/ ٥٨٩.
(٩) البيت في "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ٧٥، و"الشعر والشعراء" ص ٢٤٠، و"طبقات الشعراء" ص ٣٧، و"تهذيب اللغة" ١/ ٢٥٥ (حي)، و"اللسان" ٢/ ١٠٧٩ (حيا).
(١٠) تفسير السمعاني: ١/ ٤٥٦.
(١١) صفوة التفاسير: ٢٦٩.


الصفحة التالية
Icon