والسادس: وقال عكرمة: " أخذ أناس من المسلمين أموالا من المشركين فانطلقوا بها، فاختلف المسلمون فيهم، فقالت طائفة: لو لقيناهم قتلناهم وأخذنا ما في أيديهم، وقال بعض: لا يصلح لكم ذلك إخوانكم انطلقوا تجارا، فنزلت هذه الآية" (١).
والسابع: وقيل: "هم العرنيون (٢) الذين أغاروا على السرح وقتلوا بسارا مولى الرسول صلى الله عليه وسلم" (٣).
والراجح-والله أعلم- أنها " نزلت في اختلاف أصحاب رسول الله ﷺ في قوم كانوا ارتدُّوا عن الإسلام بعد إسلامهم من أهل مكة، لأنّ اختلاف أهل التأويل في ذلك إنما هو على قولين:
أحدهما: أنهم قوم كانوا من أهل مكة.
والآخر: أنهم قوم كانوا من أهل المدينة.
وفي قول الله تعالى ذكره: ﴿فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ [النساء: ٨٩]، أوضح الدّليل على أنهم كانوا من غير أهل المدينة، لأنّ الهجرة كانت على عهد رسول الله ﷺ إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر. فأما من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيمًا من المنافقين وأهل الشرك، فلم يكن عليه فرضُ هجرة، لأنه في دار الهجرة كان وطنُه ومُقامه" (٤).
قوله تعالى: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ [النساء: ٨٨]، " أي: ما لكم أيها المؤمنون أصبحتم فرقتين في شأن المنافقين" (٥).
قال الزجاج: " هذا خطاب للمسلمين، أي: أي شيء لكم في الاختلاف في أمرهم" (٦).
قال الزمخشري: أي: " ما لكم اختلفتم في شأن قوم نافقوا نفاقا ظاهرا وتفرقتم فيه فرقتين، وما لكم لم تبتوا القول بكفرهم" (٧).
قال المراغي: " أي فما لكم صرتم فى المنافقين فئتين واختلفتم فى كفرهم مع تظاهر الأدلة عليه، فليس لكم أن تختلفوا فى شأنهم، بل عليكم أن تقطعوا بثبوته" (٨).
قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [النساء: ٨٨]، أي: " والله نكَّسهم وردّهم إِلى الكفر بسبب النفاق والعصيان" (٩).
قال الزمخشري: " أى: ردهم في حكم المشركين كما كانوا بما كسبوا من ارتدادهم ولحوقهم بالمشركين واحتيالهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو أركسهم في الكفر بأن خذلهم حتى أركسوا فيه، لما علم من مرض قلوبهم" (١٠).
قال ابن كثير: " أي: ردهم وأوقعهم في الخطأ، وقوله: ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾، أي: بسبب عصيانهم ومخالفتهم الرسول واتباعهم الباطل" (١١).
قال القاسمي: " أي: نكسهم وردهم إلى الكفر، بسبب ما كسبوه من لحوقهم بالكفار" (١٢).
قال المراغي: " أي: كيف تفترقون فى شأنهم والله قد صرفهم عن الحق الذي أنتم عليه بما كسبوا من أعمال الشرك واجترحوا من المعاصي، حتى إنهم لا ينظرون إليكم نظرة المودة والإخاء، بل نظرة العداوة والبغضاء، ويتربصون بكم الدوائر، وقد جعلهم الله مركسين كأنهم قد نكسوا على رءوسهم وصاروا يمشون على وجوههم كما قال تعالى «أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم؟ »
(٢) وأما العرنيون: فإنهم غدروا برسول الله - ﷺ -، وارتدوا عن الإسلام، وذهبوا بإبله، فجمعوا بين الكفر والغدر والغصب، فلذلك قطع أيديهم في جزاء السرقة، وسمر أعينهم قصاصًا لأنهم سمروا أعين الرعاء؛ لئلا يدلوا على صوبهم؛ الذي ذهبوا فيه، وقتلهم في جواب شركهم بالله. [انظر: الإفصاح في معاني الصحاح: ٥/ ١٦٠].
وانظر: الحديث في صحيح البخاري (٢٨٥٥)، ومسلم (١٦٧١) ص ٣/ ١٢٩٦، ومسند أبو يعلى الموصلي (٢٨١٦).
(٣) الكشاف: ١/ ٥٤٦، ومفاتيح الغيب: ١٠/ ١٦٨.
(٤) تفسير الطبري: ٩/ ١٣ - ١٤ [بتصرف بسيط].
(٥) صفوة التفاسير: ٢٧١.
(٦) معاني القرىن: ٢/ ٨٨.
(٧) الكشاف: ١/ ٥٤٦.
(٨) تفسير المراغي: ٥/ ١١٤.
(٩) صفوة التفاسير: ٢٧١.
(١٠) الكشاف: ١/ ٥٤٦.
(١١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٧١.
(١٢) محاسن التأويل: ٣/ ٢٥١.