لأنهم قد فسدت فطرتهم وأحاطت بهم خطيئاتهم، فأوغلوا فى الضلال، وبعدوا عن الحق، حتى لم يعد يجول فى أذهانهم إلا الثبات على ما هم فيه ومقاومة ما عداه، وقد نسبه الله تعالى إليه لأنه ما كان سببا إلا بسنته فى تأثير الأعمال الاختيارية فى نفوس العالمين" (١).
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [النساء: ٨٨]، وجوه:
أحدها: معناه ردهم، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء الخراساني (٢)، وعطاء (٣).
والثاني: أوقعهم، وهذا مروي عن ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة (٤).
والثالث: أهلكهم، وهذا قول قتادة (٥)، والسدي (٦).
والرابع: أَضَلَّهم بما كسبوا، وهذا مروي عن السدي أيضا (٧).
والخامس: نكسهم وردهم إلى حكم الكفار، وهذا قول الزجاج (٨).
قال الراغب: " الركس والنكس: الرذل، والركس أبلغ، لأن النكس ما جعل أسفله أعلاه، والركس: أصله ما جعل رجيعا بعد أن كان طعاما فهو كالرجس، وقد وصف أعمالهم به، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: ٢٨]، ويقال: ركسه وأركسه، وأركس أبلغ، كما أن أسقاه أبلغ من قولهم سقاه" (٩).
وقرئ: ﴿ركسهم﴾، و ﴿رْكِسُوا فِيهَا﴾ [النساء: ٩١] (١٠).
قوله تعالى: ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ [النساء: ٨٨]، أي: " أتودون هداية من صرف الله تعالى قلبه عن دينه؟ " (١١).
قال السمعاني: " يعنى: أتريدون أن ترشدوا من أضله الله" (١٢).
قال الزجاج: " أي: أتقولون أن هؤلاء مهتدون والله قد أضلهم" (١٣).
قال الواحدي: " أَيْ: يقولون: هؤلاء مهتدون والله قد أضلَّهم" (١٤).
قال الزمخشري: أي: " أن تجعلوا من جملة المهتدين من أضل الله من جعله من جملة الضلال، وحكم عليه بذلك أو خذله حتى ضل" (١٥).
قال ابن كثير: " أي: لا طريق له إلى الهدى ولا مخلص له إليه" (١٦).
قال ابن عطية: " استفهام معناه الإبعاد واليأس مما أرادوه، والمعنى أتريدون أيها المؤمنون القائلون: بأن أولئك المنافقين مؤمنون أن تسموا بالهدى من قد يسره الله لضلالة وحتمها عليه؟ " (١٧).
قال المراغي: " أي: إنه ليس فى استطاعتكم أن تبدلوا سنن الله فى نفوس الناس فتريدوا أن تحصلوا على مقاصد وغايات ضد ما انطبع فيها من الأخلاق والصفات، بتأثير ما كسبته طوال عمرها من الأعمال" (١٨).
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ [النساء: ٨٨]، وجهان (١٩):
أحدهما: أن تُسَمُّوهم بالهُدى وقد سمّاهم الله بالضلال عقوبة لهم.

(١) تفسير المراغي: ٥/ ١١٤ - ١١٥.
(٢) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٦١): ص ٩/ ١٥.
(٣) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٥٧٤٧): ص ٣/ ١٠٢٥.
(٤) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٦٢): ص ٩/ ١٥.
(٥) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٦٣): ص ٩/ ١٥.
(٦) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٦٤): ص ٩/ ١٥.
(٧) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٥٧٤٦): ص ٣/ ١٠٢٥.
(٨) انظر: معاني القرآن: ٢/ ٨٨.
(٩) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ١٣٧٣ - ١٣٧٤.
(١٠) انظر: الكشاف: ١/ ٥٤٦.
(١١) التفسير الميسر: ٩٢.
(١٢) تفسير السمعاني: ١/ ٤٥٩.
(١٣) معاني القرىن: ٢/ ٨٨.
(١٤) الوجيز: ٢٧٩.
(١٥) الكشاف: ١/ ٥٤٦.
(١٦) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٧١.
(١٧) المحرر الوجيز: ٢/ ٨٩.
(١٨) تفسير المراغي: ٥/ ١١٥.
(١٩) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥١٤.


الصفحة التالية
Icon