أخرج ابن ابي حاتم عن الحسن، أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم قال: لما ظهر يعني النبي ﷺ على أهل بدر وأحد، وأسلم من حولهم، قال سراقة: بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بني مدلج، فأتيته فقلت: أنشدك النعمة فقالوا: مه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه ما يريد. فقلت: بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي، وأنا أريد أن توادعهم فإن أسلم قومك ودخلوا في الإسلام، وإن لم يسلموا لم تخشن لقلوب قومك عليهم، فأخذ رسول الله ﷺ بيد خالد بن الوليد فقال: اذهب معه، فافعل ما يريد، فصالحهم خالد على أن لا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أسلمت قريش أسلموا معهم، فأنزل الله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ " (١).
قوله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ [النساء: ٨٩]، " أي: تمنى هؤلاء المنافقون أن تكفروا مثلهم فتستوا أنتم وهم وتصبحوا جميعاً كفارا" (٢).
قال محمد بن كعب: " يقول: ود الذين كفروا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء" (٣).
قال ابن كثير: " أي: هم يودون لكم الضلالة لتستووا أنتم وإياهم فيها، وما ذاك إلا لشدة عداوتهم وبغضهم لكم" (٤).
قال الزمخشري: أي: " ودوا كفركم فكونكم معهم شرعا واحدا فيما هم عليه من الضلال واتباع دين الآباء" (٥).
قوله تعالى: ﴿فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [النساء: ٨٩]، أي: " فلا تتخذوا منهم أصفياء لكم" (٦).
قال ابن أبي زمنين: " أي: لا توالوهم" (٧).
قال ابن كثير: " أي: لا توالوهم ولا تستنصروا بهم على الأعداء ما داموا كذلك" (٨).
قال الزمخشري: أي: " فلا تتولوهم وإن آمنوا " (٩).
قوله تعالى: ﴿حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٨٩]، أي: " حتى يهاجروا في سبيل الله، برهانًا على صدق إيمانهم" (١٠).
قال ابن عباس: "يقول: حتى يصنعوا كما صنعتم يعني الهجرة" (١١).
قال عكرمة: " حتى يهاجروا هجرة أخرى" (١٢).
قال ابن أبي زمنين: " فيرجعوا إلى الدار التي خرجوا منها؛ يعني: المدينة" (١٣). قال قال الزمخشري: أي: " حتى يظاهروا إيمانهم بهجرة صحيحة هي لله ورسوله- لا لغرض من أغراض الدنيا- مستقيمة ليس بعدها بداء ولا تعرب" (١٤).
قال الراغب: "والهجرة: ترك الشيء والإعراض عنه مكانا أو خليطا، وسمي القبيح من الكلام هجرا لكونه مقتضيا لهجره، والرفث هاجرة لكونه حاملا على أن يهجره، وسمي المهاجر لتركه وطنه، وصار اسم مدح في الإسلام، وسمي من رفض فضولات شهواته مهاجرا" (١٥).
قال البغوي: " والهجرة على ثلاثة أوجه: هجرة المؤمنين في أول الإسلام، وهي قوله تعالى رللفقراء المهاجرين} [الحشر: ٨]، وقوله: ﴿ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله﴾ [النساء: ١٠٠}، ونحوهما من الآيات، وهجرة المنافقين: وهي الخروج في سبيل الله مع رسول الله ﷺ صابرا محتسبا كما
(٢) صفوة التفاسير: ٢٧١.
(٣) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٧٤٩): ص ٣/ ١٠٢٥.
(٤) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٧١.
(٥) الكشاف: ١/ ٥٤٦ - ٥٤٧.
(٦) التفسير الميسر: ٩٢.
(٧) تفسير ابن أبي زمنين: ١/ ٣٩٤.
(٨) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٧١ - ٣٧٢.
(٩) الكشاف: ١/ ٥٤٧.
(١٠) التفسير الميسر: ٩٢.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٧٥١): ٣/ ١٠٢٦.
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٧٥٢): ٣/ ١٠٢٦.
(١٣) تفسير ابن أبي زمنين: ١/ ٣٩٤.
(١٤) الكشاف: ١/ ٥٤٧.
(١٥) تفسير الرابغ الأصفهاني: ٣/ ١٣٧٨.