ومن الإسرائيليات ما رواه الطبري، وابن كثير في تفسيرهما كذلك ذكره السيوطي في "الدر": من أن آدم لما قتل أحد ابنيه الآخر مكث مائة عام لا يضحك حزنًا عليه؛ فأتى على رأس المائة فقيل له: حياك الله وبياك، وبُشر بغلام؛ فعند ذلك ضحك، وكذلك ما ذكره من أن آدم -عليه السلام- رثى ابنه بشعر.
أخرج الطبري عن سالم بن أبي الجعد قال: لما قتل ابن آدم أخاه، مكث آدم مائة سنة حزينًا لا يضحك، ثم أتي فقيل له: حيّاك الله وبيّاك! فقال: بياك، أضحكك" (١).
وأخرج الطبري عن علي بن أبي طالب: "لما قتل ابن آدم أخاه، بكاه آدم فقال:
تَغيَّرت البلاد ومَنْ عَلَيها | فَلَوْنُ الأرض مُغْبر قَبيح |
تغيَّر كل ذي لون وطعم | وقلَّ بَشَاشَة الوجْه المليح |
أبَا هَابيل قَدْ قُتلا جَميعًا | وصار الحي كالميْت الذبيح |
وجَاء بشرةٍ قد كان مِنْها | عَلى خَوف فجاء بها يَصيح" (٢) |
وقد طعن في نسبة هذه الأشعار إلى نبي الله آدم الإمام الذهبي في كتابه: "ميزان الاعتدال"، وقال: فالآفة المخرمي أو شيخه" (٤).
قال الزمخشري: " وروى أن آدم مكث بعد قتله مائة سنة لا يضحك» وأنه رثاه بشعر، وهو كذب بحت، وما الشعر إلا منحول ملحون. وقد صح أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الشعر" (٥).
قال الشيخ محمد أبو شهبة: "وما الشعر الذي ذكروه إلا منحول مختلق، والأنبياء لا يقولون الشعر... قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٦٩]، والحق: أنه شعر في غاية الركاكة، والأشبه أن يكون هذا الشعر اختلاق إسرائيلي ليس له من العربية إلا حظ قليل، أو قصاص يريد أن يستولي على قلوب الناس بمثل هذا الهراء" (٦).
قال الألوسي: "وروي عن ميمون بن مهران عن الحبر ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه قال: «من قال: آدم - عليه السلام - قد قال شعرًا فقد كذب، إن محمدًا ﷺ والأنبياء كلهم في النهي عن الشعر سواء، ولكن لما قتل قابيل هابيل بكاه آدم بالسريانية، فلم يزل ينقل، حتى وصل إلى يعرب بن قحطان، وكان يتكلم بالعربية، والسريانية، فقدم فيه وأخر، وجعله شعرًا عربيًا»، وذكر بعض علماء العربية: أن في ذلك لحنًا، وإقواء، وارتكاب ضرورة، والأولى عدم نسبته إلى يعرب؛ لما فيه من الركاكة الظاهرة" (٧).
الفوائد:
(١) تفسير الطبري (١١٧٢٠): ص ١٠/ ٢٠٩ - ٢١٠. في اسناده حسام بن مصك بن ظالم بن شيطان الأزدي. روى عن الحسن. وابن سيرين، وقتادة، ونافع مولى ابن عمر. روى عنه أبو داود الطيالسي، وهشيم، ويزيد بن هرون، وغيرهم. ضعفوه، حتى قال ابن معين: كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، حتى خرج عن حد الاحتجاج به. مترجم في التهذيب.
(٢) تفسير الطبري (١١٧٢١): ص ١٠/ ٢٠٩ - ٢١٠. وفي إسناده غياث بن إبراهيم النخعي، الكوفي، قال يحيى بن معين: كذاب خبيث. وقال خالد بن الهياج: سمعت أبي يقول: رأيت غياث بن إبراهيم، ولو طار على رأسه غراب لجاء فيه بحديث! وقال: إنه كان كذابًا يضع الحديث من ذات نفسه. مترجم في الكبير ٤/ ١/١٠٩، وابن أبي حاتم ٣/ ٢/٥٧، وفي لسان الميزان، وميزان الاعتدال.
وفي المخطوطة والمطبوعة، سقط من الإسناد عن غياث بن إبراهيم، وزدته من إسناد أبي جعفر في تاريخه ١: ٧٢، وروى الخبر هناك.
(٣) انظر: تفسير ابن كثير: ٣/ ٩١.
(٤) ميزان الإعتدال: ١/ ١٥٥.
(٥) الكشاف: ١/ ٦٢٦.
(٦) الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير: ١٨٣.
(٧) روح المعاني: ٣/ ٢٨٥ - ٢٨٦.
(٢) تفسير الطبري (١١٧٢١): ص ١٠/ ٢٠٩ - ٢١٠. وفي إسناده غياث بن إبراهيم النخعي، الكوفي، قال يحيى بن معين: كذاب خبيث. وقال خالد بن الهياج: سمعت أبي يقول: رأيت غياث بن إبراهيم، ولو طار على رأسه غراب لجاء فيه بحديث! وقال: إنه كان كذابًا يضع الحديث من ذات نفسه. مترجم في الكبير ٤/ ١/١٠٩، وابن أبي حاتم ٣/ ٢/٥٧، وفي لسان الميزان، وميزان الاعتدال.
وفي المخطوطة والمطبوعة، سقط من الإسناد عن غياث بن إبراهيم، وزدته من إسناد أبي جعفر في تاريخه ١: ٧٢، وروى الخبر هناك.
(٣) انظر: تفسير ابن كثير: ٣/ ٩١.
(٤) ميزان الإعتدال: ١/ ١٥٥.
(٥) الكشاف: ١/ ٦٢٦.
(٦) الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير: ١٨٣.
(٧) روح المعاني: ٣/ ٢٨٥ - ٢٨٦.