١ - قال ابن الجوزي: " وفي هذه القصة تحذير من الحسد، لأنه الذي أهلك قابيل" (١).
٢ - أن الله تعالى بعث الغراب حكمة، ليرى ابن آدم كيفية المواراة، وهو معنى قوله تعالى: ﴿ثم أماته فأقبره] [عبس: ٢١]، فصار فعل الغراب في المواراة سنة باقية في الخلق، فرضا على جميع الناس على الكفاية، من فعله منهم سقط فرضه عن الباقين. وأخص الناس به الأقربون الذين يلونه، ثم الجيرة، ثم سائر المسلمين.
وأما الكفار فقد روى أبو داود عن علي قال: " لما مات أبو طالب أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن عمك الشيخ الضال قد مات، فقال: " انطلق فواره، ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني " قال: فانطلقت فواريته. فأمرني فاغتسلت، ثم دعا لي بدعوات ما أحب أن لي بهن ما عرض من شيء» (٢) (٣).
٣ - أن دفن الميت لوجهين (٤):
أحدهما: لستره.
الثاني: لئلا يؤذي الأحياء بجيفته.
روي عن يحيى بن زهدم قال: حدثني أبي عن أبيه عن أنس قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «امتن الله عز وجل على ابن آدم بثلاث بعد ثلاث، بالريح بعد الروح فلولا إن الريح يقع بعد الروح ما دفن حميم حميما، وبالدودة في الحبة فلولا أن الدودة تقع في الحبة لأكنزها الملوك وكانت حبا من الدنانير والدراهم. وبالموت بعد الكبر، فإن الرجل ليكبر حتى يمل نفسه ويمله أهله وولده وأقرباؤه فكان الموت أيسر له" (٥).
٤ - ومنها: أن الندم إذا لم يكن لقبح المعصية فليس بتوبة، ففي الآية دلالة على أن الندم إذا لم يكن لقبح المعصية لم يكن توبة، فهو هنا لم يندم على قبح المعصية، أو لم يندم خوفاً من الله تبارك وتعالى، ولذلك لم ينفعه هذا الندم، يقول الرازي: ندم على قساوة قلبه كونه دون الغراب في الرحمة فكان ندمه لذلك، لا لأجل الخوف من الله تعالى، فلا جرم لم ينفعه ذلك الندم.
٥ - قال ابن العربي: " قوله تعالى: {أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب﴾
[المائدة: ٣١]: فيه دليل على قياس الشبه" (٦).
القرآن
﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢)﴾ [المائدة: ٣٢]
التفسير:
بسبب جناية القتل هذه شَرَعْنا لبني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير سبب من قصاص، أو فساد في الأرض بأي نوع من أنواع الفساد، الموجب للقتل كالشرك والمحاربة فكأنما قتل الناس جميعًا فيما استوجب من عظيم العقوبة من الله، وأنه من امتنع عن قَتْل نفس حرَّمها الله فكأنما أحيا الناس جميعًا; فالحفاظ على حرمة إنسان واحد حفاظ على حرمات الناس كلهم. ولقد أتت بني إسرائيل رسلُنا بالحجج والدلائل على صحة ما دعَوهم إليه من الإيمان بربهم، وأداء ما

(١) زاد االمسير: ١/ ٥٣٩.
(٢) أخرجه أحمد (١٠٩٢): ص ٢/ ٣٣٢، وأخرجه ابن أبي شيبة ٣/ ٢٦٩ و ٦٧١٢، وابن سعد ١/ ١٢٤، وأبو داود (٣٢١٤)، والنسائي ٤/ ٧٩، وفي "الكبرى" (١٩٥)، وفي "الخصائص" (١٤٩)، والدارقطني في "العلل" ٤/ ١٤٦، والبيهقي في "السنن" ٣/ ٣٩٨، وفي "دلاثل النبوة" ٢/ ٣٤٨ - ٣٤٩. [إسناده ضعيف، ناجية بن كعب: هو الأسدي، وهو مجهول].
(٣) انظر: تفسير القرطبي: ٦/ ١٤٣.
(٤) أحكام القرآن لابن العربي: ٢/ ٨٦.
(٥) تفسير الثعلبي: ٤/ ٥٣، وتفسيرالقرطبي: ٦/ ١٤٢.
(٦) أحكام القرآن: ٢/ ٨٧.


الصفحة التالية
Icon