فُرِضَ عليهم، ثم إن كثيرًا منهم بعد مجيء الرسل إليهم لمتجاوزون حدود الله بارتكاب محارم الله وترك أوامره.
قوله تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [المائدة: ٣٢]، أي: " بسبب جناية القتل هذه شَرَعْنا لبني اسرائيل" (١).
قال الضحاك: " يقول: من أجل ابن آدم الذي قتل أخاه ظلمًا" (٢).
قال مقاتل: " يعنى: من أجل ابني آدم تعظيما للدم، ﴿كتبنا على بني إسرائيل﴾ في التوراة" (٣).
قال الطبري: أي: " من جناية ابن آدم القاتل أخاه ظلمًا حكمنا على بني إسرائيل" (٤).
قال ابن كثير: " يقول تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ﴾ قَتْل ابن آدم أخاه ظلما وعدوانًا، ﴿كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي: شرعنا لهم وأعلمناهم" (٥).
قال ابن عطية: " جمهور الناس على أن قوله: من أجل ذلك متعلق بقوله كتبنا أي بسبب هذه النازلة ومن جراها كتبنا، وقال قوم: بل هو متعلق بقوله: ﴿من النادمين﴾ [المائدة: ٣١]، أي ندم من «أجل» ما وقع، والوقف على هذا على ذلك، والناس على أن الوقف من النادمين" (٦).
وقوله: ﴿من أجل ذلك﴾، من: جرِّ ذلك وجَريرته وجنايته، قال الشاعر (٧):
وَأَهْلِ خِبَاءٍ صَالِحٍ ذَاتُ بَيْنِهمْ | قَدِ احْتَرَبُوا فِي عَاجِلٍ أَنَا آجِلُه |
قال ابن عطية: " ﴿كتبنا﴾، معناه: كتب بأمرنا في كتب منزلة عليهم تضمنت فرض ذلك، وخص الله تعالى: بني إسرائيل بالذكر وقد تقدمتهم أمم كان قتل النفس فيهم محظورا لوجهين:
أحدهما: فيما روي أن بني إسرائيل أول أمة نزل الوعيد عليهم في قتل النفس في كتاب، وغلظ الأمر عليهم بحسب طغيانهم وسفكهم الدماء.
والآخر: لتلوح مذمتهم في أن كتب عليهم هذا وهم مع ذلك لا يرعوون ولا ينتهون بل هموا بقتل النبي ﷺ ظلما، فخصوا بالذكر لحضورهم مخالفين لما كتب عليهم" (٩).
(٢) أخرجه الطبري (١١٧٧٠): ص ١٠/ ٢٣٢.
(٣) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٤٧١.
(٤) تفسير الطبري: ١٠/ ٢٣٢
(٥) تفسير ابن كثير: ٣/ ٩٢.
(٦) المحرر الوجيز: ٢/ ١٨١.
(٧) مجاز القرآن لأبي عبيدة ١/ ١٦٣، وتفسير الطبري: ١٠/ ٢٣١ - ٢٣٢، وشرح إصلاح المنطق ١/ ١٤، وشرح شعر زهير للشنتمري: ٣٣، واللسان (أجل)، وفي رواية لابن برى، في اللسان:
وَأَهْل خِبَاء آمِنِين، فَجَعْتُهُمْ | بِشَيْءٍ عَزِيزٍ عَاجِل أَنَا آجِلُهْ |
وَأَقْبَلْتُ أَسْعَى أَسْأَلُ الْقَوْمَ مَالَهُمْ | سُؤَالَكَ بِالَّشْيءِ الَّذِي أَنْتَ جَاهِلُهْ |
ونسبه أبو عبيدة في مجاز القرآن فقال: قال الخنوت، وهو توبة بن مضرس، أحد بني مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وإنما سماه الخنوت، الأحنف بن قيس. لأن الأحنف كلمه، فلم يكلمه احتقارًا له، فقال: إن صاحبكم هذا الخنوت! والخنوت: المتجبر الذاهب بنفسه، المستصغر للناس.
والخنوت (بكسر الخاء، ونون مشددة مفتوحة، واو ساكنة).
وذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف ص: ٦٨ وقال: وقتل أخواه... فأدرك الأخذ بثأرهما... وجزع على أخويه جزعًا شديدًا،... وكان لا يزال يبكي أخويه، فطلب إليه الأحنف أن يكف، فأبى، فسماه: الخنوت وهو الذي يمنعه الغيظ أو البكاء من الكلام.
ونسبه التبريزي في شرح إصلاح المنطق، والشنتمري في شرح ديوان زهير إلى خوات بن جبير الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو الذي يذكر في خبر ذات النحيين.
وألحق بشعر زهير بن أبي سلمى، في ديوانه (شرح الشنتمري).
(٨) انظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة ١/ ١٦٣، وتفسير الطبري: ١٠/ ٢٣١ - ٢٣٢.
(٩) المحرر الوجيز: ٢/! ٨٢.