قال الزمخشري: أي ومن استنقذها من بعض أسباب الهلكة قتل أو غرق أو حرق أو هدم أو غير ذلك" (١).
قال البيضاوي: " أي ومن تسبب لبقاء حياتها بعفو أو منع عن القتل، أو استنقاذ من بعض أسباب الهلكة فكأنما فعل ذلك بالناس جميعا، والمقصود منه تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب ترهيبا عن التعرض لها وترغيبا في المحاماة عليها" (٢).
قال الزجاج: " أي: من استنقذها من غرق أو حرق أو هدم، أو ما يميت لا محالة، أو
استنقذها من ضلالة، أجره على الله أجر من أحياهم أجمعين، فإن قال قائل، كيف يكون ثوابه ثواب من أحياهم جميعا؟ فالجواب في هذا كالجواب في قوله تعالى ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠]، فالتأويل: أن الثواب الذي إذا جعل للحسنة كان غاية ما يتمنى يعطى العامل لها عشرة أمثاله" (٣).
عن أبي هريرة قال: "دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: جئت لأنصرك وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين. فقال: يا أبا هريرة، أيسرك أن تَقْتُل الناس جميعًا وإياي معهم؟ قلت: لا. قال فإنك إن قتلت رجلا واحدًا فكأنما قتلت الناس جميعًا، فانْصَرِفْ مأذونًا لك، مأجورًا غير مأزور. قال: فانصرفت ولم أقاتل" (٤).
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢]، وجوه:
أحدها: يعني من قتل نبياً أو إمام عدل، فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن شد على يد نبى أو إمام عدل، فكأنما أحيا الناس جميعاً، وهذا قول ابن عباس (٥).
قال ابن عطية: " وهذا قول لا تعطيه الألفاظ" (٦).
والثاني: معناه فكأنما قتل الناس جميعاً عند المقتول، ومن أحياها فاستنفذها من هلكة، فكأنما أحيا الناس جميعاً عند المستنفذ، وهذا قول ابن مسعود (٧).
والثالث: معناه أن قاتل النفس المحرمة يجب عليه من القود والقصاص مثل ما يجب عليه لو قتل الناس جميعاً، ومن أحياها بالعفو عن القاتل، أعطاه الله من الأجر مثل ما لو أحيا الناس جميعاً، وهذا قول ابن زيد (٨)، وأبيه (٩).
وروي عن الحسن: " في قوله: ﴿ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعًا﴾، قال: من عفا" (١٠). وفي رواية أخرى له: " العفو بعد القدرة" (١١).
والرابع: معناه أن قاتل النفس المحرمة يَصْلَى النار كما يَصْلاها لو قتل الناس جيمعاً، ومن أحياها، يعني سلم من قتلها، فكأنما سلم من قتل الناس جميعاً، وهذا قول ابن عباس-في رواية اخرى- (١٢)، ومجاهد (١٣)، وذكر مقاتل نحوه (١٤).

(١) الكشاف: ١/ ٦٢٧.
(٢) تفسير البيضاوي: ٢/ ١٢٤.
(٣) معاني القرآن: ٢/ ١٦٩.
(٤) تفسير ابن كثير: ٣/ ٩٢.
(٥) انظر: تفسير الطبري (١١٧٧١)، و (١١٧٧٢): ص ١٠/ ٢٣٢ - ٢٣٣
(٦) المحرر الوجيز: ٢/! ٨٢.
(٧) انظر: تفسير الطبري (١١٧٧٣): ص ١٠/ ٢٣٣.
(٨) انظر: تفسير الطبري (١١٧٨٧)، و (١١٧٨٨): ص ١٠/ ٢٣٧.
(٩) انظر: تفسير الطبري (١١٧٨٧)، و (١١٧٨٨): ص ١٠/ ٢٣٧.
(١٠) أخرجه الطبري (١١٧٨٩): ص ١٠/ ٢٣٧.
(١١) أخرجه الطبري (١١٧٩١): ص ١٠/ ٢٣٧.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (١١٧٧٤): ص ١٠/ ٢٣٤، و (١١٧٨١): ص ١٠/ ٢٣٥.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (١١٧٧٥) - (١١٧٨٠): ص ١٠/ ٢٣٤ - ٢٣٥، و (١١٨٧٨٢) - (١١٧٨٦): ص ١٠/ ٢٣٦.
(١٤) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٤٧٢.


الصفحة التالية
Icon