أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: ٨٤، ٨٥] " (١).
قال الواحدي: " ﴿المسرفون﴾ أَيْ: مجاوزون حدَّ الحقِّ" (٢).
أخرج ابن سلام من طريق أبو عبيد عن سليمان بن علي الرّبعي عن الحسن أنه قرأ هذه الآية: ﴿مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً﴾، فقلت: يا أبا سعيد (٣) أهي علينا كما كانت على بني إسرائيل؟ فقال: إي والذي لا إله إلا هو وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم عليه من دمائنا، قال أبو عبيد: وقد كان بعض أهل العلم يتأول في آية النساء غير هذا المذهب" (٤).
الفوائد:
١ - تأديب الرب تعالى لبني إسرائيل، ومع الأسف لم ينتفعوا به.
٢ - قال السعدي: " ودلت الآية على أن القتل يجوز بأحد أمرين:
أحدهما: إما أن يقتل نفسا بغير حق متعمدا في ذلك، فإنه يحل قتله، إن كان مكلفا مكافئا، ليس بوالد للمقتول.
والثاني: وإما أن يكون مفسدا في الأرض، بإفساده لأديان الناس أو أبدانهم أو أموالهم، كالكفار المرتدين والمحاربين، والدعاة إلى البدع الذين لا ينكف شرهم إلا بالقتل، وكذلك قطاع الطريق ونحوهم، ممن يصول على الناس لقتلهم، أو أخذ أموالهم" (٥).
٣ - أن القتل عمداً بغير حق أعظم الذنوب بعد الشرك بالله عز وجل، يقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٩٣]، وفي الحديث: (لزوال الدنيا بأسرها أهون على الله من قتل رجل مسلم).
٤ - أن القتل عمداً يتعلق به ثلاثة حقوق: حق لله، وحق للمقتول، وحق لأولياء القتيل، فإذا أداها برئت ذمته.
فالحق الأول: حق لأولياء القتيل، فيأتي ويسلم نفسه إليهم، ويصطلح معهم، فإن شاءوا قتلوه قصاصاً وإن شاءوا طلبوا منه الدية أو أكثر من الدية صلحاً، فإذا سلم نفسه إليهم وقتلوه قصاصاً أو اتفقوا معه على نفس الدية أو أكثر منها سقط حقهم، وبقي حق الله وحق القتيل.
والثاني: حق الله: فإذا تاب فيما بينه وبين الله توبةً نصوحاً، بأن أقلع عن هذه المعصية وندم على ما مضى وعزم عزماً جازماً على ألا يعود إليها مرة أخرى تاب الله عليه وسقط حق الله، والثالث: حق القتيل يوم القيامة، فإذا أدى الحقين: حق أولياء القتيل وحق الله، فالله تعالى يرضي المقتول عنه يوم القيامة بما يعطيه من الثواب والدرجات في الآخرة، فيصفح عن أخيه فيتوب الله عليه.
والصواب أن القاتل له توبة، وهذا هو الذي عليه الجماهير (٦).
القرآن

(١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٩٤.
(٢) الوجيز: ٣١٧.
(٣) هو الحسن البصري، كنيته أبو سعيد.
(٤) الناسخ والمنسوخ، للقاسم بن سلام: ١/ ٢٧١، وروى نحوه ابن أبي شيبة فى المصنف ج ٩، كتاب الديات «باب من قال: ليس لقاتل المؤمن توبة» ص ٣٦٠ تحقيق مختار أحمد الندوي.
(٥) تفسير رالسعدي ٢٢٩.
(٦) انظر: شرح الاقتصاد في الاعتقاد للراجحي: الدرس: ١٠/ ١٠ [دروس صوتية مرقم آليا].


الصفحة التالية
Icon