قال ابن كثير: " والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات، كما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قِلابة" (١).
قال القرطبي: " فالذي عليه الجمهور أنها نزلت في العرنيين" (٢).
قال الإمام الطبري: " وأولى الأقوال في ذلك عندي أن يقال: أنزل الله هذه الآية على نبيِّه صلى الله عليه وسلم، معرِّفَه حكمه على من حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض فسادًا، بعد الذي كان من فعل رسول الله ﷺ بالعرنيِّين ما فعل.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك، لأن القِصَص التي قصّها الله جل وعزّ قبلَ هذه الآية وبعدَها، من قَصَص بنى إسرائيل وأنبائهم، فأن يكون ذلك متوسِّطًا، من تعريف الحكم فيهم وفي نظرائهم، أولى وأحقّ. وقلنا: كان نزول ذلك بعد الذي كان من فعلِ رسول الله ﷺ بالعرنيِّين ما فعل، لتظاهر الأخبار عن أصحاب رسول الله ﷺ بذلك" (٣).
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣]، أي: " إنما جزاء الذين يحاربون الله، ويبارزونه بالعداوة، ويعتدون على أحكامه، وعلى أحكام رسوله" (٤).
قال الواحدي: " أَيْ: يعصونهما ولا يطيعونهما يعني: الخارجين على الإِمام وعلى الأمَّة بالسَّيف نزلت هذه الآية في قصة العُرَنيين وهي معروفةٌ تعليماً لرسول الله ﷺ عقوبة مَن فعل مثل فعلهم" (٥).
قال ابن كثير: " المحاربة: هي المضادة والمخالفة، وهي صادقة على الكفر، وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل" (٦).
قال ابن عطية: قوله: " ﴿يحاربون الله﴾، تغليظ جعل ارتكاب نهيه محاربة، وقيل التقدير يحاربون عباد الله، ففي الكلام حذف مضاف" (٧).
قوله تعالى: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: ٣٣]، أي: " ويفسدون في الأرض بقتل الأنفس، وسلب الأموال" (٨).
قال الواحدي: أَيْ: "بالقتل وأخذ الأموال" (٩).
قال الطبري: " يعني: ويعملون في أرض الله بالمعاصي: من إخافة سُبُل عباده المؤمنين به، أو سُبُل ذمتهم، وقطعِ طرقهم، وأخذ أموالهم ظلمًا وعدوانًا، والتوثُّب على حرمهم فجورًا وفُسُوقًا" (١٠).
قال ابن كثير: " الإفساد في الأرض، يطلق على أنواع من الشر، حتى قال كثير من السلف، منهم سعيد بن المسيب: إن قرض الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض، وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] " (١١).
(٢) تفسير القرطبي: ٦/ ١٤٨.
(٣) تفسير الطبري: ١٠/ ٢٥١.
(٤) التفسير الميسر: ١١٣.
(٥) الوجيز: ٣١٧.
(٦) تفسير ابن كثير: ٣/ ٩٤.
(٧) المحرر الوجيز: ٢/ ١٨٥.
(٨) التفسير الميسر: ١١٣.
(٩) الوجيز: ٣١٧.
(١٠) تفسير الطبري: ١٠/ ٢٥٧.
(١١) تفسير ابن كثير: ٣/ ٩٤.