قال ابن عطية: " وأما الوسيلة المطلوبة لمحمد ﷺ فهي أيضا من هذا، لأن الدعاء له بالوسيلة والفضيلة إنما هو أن يؤتاهما في الدنيا ويتصف بهما ويكون ثمرة ذلك في الآخرة التشفيع في المقام المحمود" (١).
وقد ثبت في صحيح البخاري، من طريق محمد بن المُنكَدِر، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودا الذي وعدته، إلا حَلَّتْ له الشفاعة يوم القيامة" (٢).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي ﷺ يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا عَليّ، فإنه من صلى عَليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حَلًّتْ عليه الشفاعة" (٣).
وعن أبي هريرة؛ أن رسول الله ﷺ قال: "إذا صليتم عَليّ فَسَلُوا لي الوسيلة". قيل: يا رسول الله، وما الوسيلة؟ قال: "أعْلَى درجة في الجنة، لا ينالها إلا رَجُلٌ واحد وأرجو أن أكون أنا هو" (٤).
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله لي الوسيلة، فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلا كنت له شهيدا - أو: شفيعًا - يوم القيامة" (٥).
وعن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الوسيلة درجة عند الله، ليس فوقها درجة، فسَلُوا الله أن يؤتيني الوسيلة على خلقه" (٦).
قوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ﴾ [المائدة: ٣٥]، أي: " وجاهدوا لإِعلاء دينه" (٧).
قال مقاتل: " وجاهدوا العدو ﴿في سبيله﴾، يعني: في طاعته" (٨).
قال ابن عطية: " خص الجهاد بالذكر لوجهين:
أحدهما: نباهته في أعمال البر وأنه قاعدة الإسلام، وقد دخل بالمعنى في قوله: وابتغوا إليه الوسيلة ولكن خصه تشريفا.
والوجه الآخر: أنها العبادة التي تصلح لكل منهي عن المحاربة وهو معدلها من حاله وسنه وقوته وشره نفسه، فليس بينه وبين أن ينقلب إلى الجهاد إلا توفيق الله تعالى" (٩).
قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: ٣٥]، أي: " كي تفوزوا بجناته" (١٠).
قال مقاتل: " ﴿لعلكم﴾ يعني: لكي، ﴿تفلحون﴾، يعني: تسعدون، ويقال تفوزون" (١١).
قال الزجاج: " أي: لعلكم تظفرون بعدوكم، والمفلح الفائز بما فيه غاية صلاح حاله" (١٢).
قال ابن كثير: " لما أمرهم بترك المحارم وفعل الطاعات، أمرهم بقتال الأعداء من الكفار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم، التاركين للدين القويم، ورغبهم في ذلك

(١) المحرر الوجيز: ٢/ ١٨٦.
(٢) أخرجه البخاري في: الأذان، ٨ - باب الدعاء عند النداء، حديث ٣٩٢.
(٣) صحيح مسلم برقم (١٣٨٤).
(٤) المسند (٢/ ٢٦٥) وسنن الترمذي برقم (٣٦١٢).
(٥) المعجم الأوسط للطبراني برقم (٦٣٩) "مجمع البحرين" وقال الهيثمي في المجمع (١/ ٣٣٣): "فيه الوليد بن عبد الملك الحراني قد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مستقيم الحديث إذا روي عن الثقات. قلت: وهذا من روايته عن موسى بن أعين وهو ثقة".
(٦) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٦٤٠، ٦٤١) "مجمع البحرين" من طريق عمارة بن غزية به.
(٧) صفوة التفاسير: ٣١٤.
(٨) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٤٧٣.
(٩) المحرر الوجيز: ٢/ ١٨٧.
(١٠) التفسير الميسر: ١٣.
(١١) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٤٧٣.
(١٢) معاني القرآن: ٢/ ١٧١.


الصفحة التالية
Icon