بالذي أعده للمجاهدين في سبيله يوم القيامة، من الفلاح والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة التي لا تَبِيد ولا تَحُول ولا تزول في الغرف العالية الرفيعة الآمنة، الحسنة مناظرها، الطيبة مساكنها، التي من سكنها يَنْعَم لا ييأس، ويحيا لا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه" (١).
قال ابن عطية: " هذه الآية وعظ من الله تعالى بعقب ذكر العقوبات النازلة بالمحاربين، وهذا من أبلغ الوعظ لأنه يرد على النفوس وهي خائفة وجلة، وعادة البشر إذا رأى وسمع أمر ممتحن ببشيع المكاره أن يرق ويخشع، فجاء الوعظ في هذه الحال" (٢).
الفوائد:
١ - وجوب تقوى الله عز وجل وطلب القربة إليه والجهاد في سبيله.
٢ - مشروعية التوسل إلى الله تعالى بالإيمان وصالح الأعمال.
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب: " إن المشي إلى الطاعة وسؤاله امتثالاً لأمره عمل طاعة، وذلك من أعظم الوسائل المأمور بها في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾، وقد أجمع العلماء أنها القربة ولا قربة أعظم من عمل الطاعة" (٣).
٤ - أن التوسل إما بما يناسب المطلوب عقلاً وأذن فيه شرعاً، وإما بغير ذلك، وتفصيله: أن المتوسل إما أن يتوسل بما لله من صفات وأسماء، وإما بما له من اعتقاد صحيح، وإما بما له من عمل صالح، وإما بما لغيره من دعاء أو جاه، وإما بطاعة تعمه وغيره؛ فتلك ستة أنواع فيما ياتي نفصل القول فيها (٤):
اولا: - التوسل بصفات الله:
النوع الأول: التوسل بصفات الله، وهو مشروع؛ لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠]، ولما رواه الترمذي وحسَّنه عن عاذ بن جبل رضي الله عنه؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ! فَقَالَ: «قَدِ اسْتُجِيبَ لَكَ؛ فَسَلْ» (٥)، وله أمثلة:
١ - منها ما أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربع أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم، عن أنس رضي الله عنه؛ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَدْعُو: "اللَّهُمَّ! إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ! يَا قَيُّومُ! ". فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ» (٦).
٢ - ومنها ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ! رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ» (٧)؛ فإن إضافة لفظ الرب إلى تلك المخلوقات العظيمة مشعر بعظيم قدرته وكمال حكمته.
٣ - ومنها الأبيات المشهورة المنسوبة لابن القاسم السهيلي، ومطلعها:
يَا مَنْ يَرَى مَا فِي الضَّمِيرِ وَيَسْمَعُ | أَنْتَ الْمُعِدُّ لِكُلِّ مَا يُتَوَقَّعُ |
(٢) المحرر الوجيز: ٢/ ١٨٦.
(٣) التوضيح عن توحيد الخلاق: ٣١٢.
(٤) انظر: رسالة الشرك ومظاهره، مبارك الجزائري: ٢٩٣ - ٣٠٩.
(٥) ضعيف: أخرجه أحمد (٥/ ٢٣٥ - ٢٣٦ - مصورة المكتب)، والبخاري في " الأدب المفرد " (٧٢٦)، والترمذي (٩/ ٥١١ - ٥١٣/ ٣٥٩٥ و ٣٥٩٦.
(٦) صحيح: أخرجه أحمد (٣/ ١٢٠ - مصورة المكتب)، وأبو داود (١/ ٢٣٤)، والترمذي (٩/ ٥٢٩/ ٣٦١٢)، والنسائي (٣/ ٥٢)، وابن ماجه (٣٨٥٨)، وابن حبان (٣/ ١٧٥ - ١٧٦/ ٨٩٣)، والحاكم (١/ ٥٠٣ - ٥٠٤) من طرق عن أنس به.
وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي.
(٧) أخرجه مسلم (١/ ٥٣٤/ ٧٧٠).