٣ - ومنها: قول محمد بن عبد الله العبدري المالكي (١):
تَوَسَّلْتُ يَا رَبِّي بِأَنِّيَ مُؤْمِنٌ | وَمَا قُلْتُ إِنِّي سَامِعٌ وَمُطِيعٌ |
أَيُصْلَى بَحَرِّ النَّارِ عَاصٍ مُوَحِّدٌ | وَأَنْتَ كَرِيمٌ وَالرَّسُولُ شَفِيعُ |
رابعا: - التوسل بالدعاء:
النوع الرابع: تَوسُّل المرء بدعاء غيره، وهو على وجهين:
أحدهما: أن تكتفي عن دعائك بدعاء من سألته الدعاء، وهذا تقدم في فصل الدعاء، وأنه مأذون فيه، ما لم يكن ذريعة إلى منهي عنه؛ كسؤال الدعاء من الميت والغائب؛ لما فيه من مظنة الاعتقاد بعلم الغيب.
قال الشيخ محمد صالح العثيمين: " من الشرك أن يدعو غير الله؛ لأن الدعاء لا يكون إلا مع محبة وتعظيم وافتقار وتذلُّل، واعتقاد أن المدعو قادر" (٢).
والوجه الثاني: أن تسأل الدعاء من الحي الحاضر، فيدعو لك، وتتوجه أنت إلى الله داعياً متوسلاً بدعائه.
وهو مشروع لحديث الأعمى عند أحمد والنسائي، والترمذي وصححه، وهو أن رجلاً ضريرا جاء إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأله الدعاء ليرد الله عليه بصره، فخيره بين الصبر ودعائه له، فأصر على اختيار دعاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأمره بالوضؤ وصلاة ركعتين، ثم الدعاء بهذا اللفظ: «اللَّهُمَّ! إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ، نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ! إنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِي، اللَّهُمَّ! فَشَفِّعْهُ فِيَّ» (٣).
والتوجه بالنبي معناه التوجه بدعائه، دل على هذا المحذوف اختيار الأعمى لدعاء الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد تخييره له بينه وبين الصبر، وأمره للأعمى بالدعاء بعد دعائه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ نظير ما أخرجه مسلم وغيره من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمن سأله مرافقته في الجنة: «أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» (٤)؛ فنصح لهما بعبادتي الصلاة والدعاء لمناسبتهما للمطلوب.
ونظير حديث الأعمى ما رواه البخاري في " صحيحه " من استسقاء عمر بالعباس (٥) وقوله: " اللَّهُمَّ! إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بَنَبِيِّنَا، فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا؛ فَاسْقِنَا "؛ ففيه إِثبات التوسل بالرسول في حياته، وبأهل الفضل- ولا سيما ذوو قرابته- بعد موته، والمقصود التوسل بدعائهم إذا كانوا معنا في عالمنا، أما من كان في العالم الغيبي؛ فكل شيء منه غائب علينا؛ فلا
(١) انظر: الغحاطة في أخبار غرناطة: ٣/ ٦٢، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة: ٤/ ٣٥١.
(٢) القول المفيد: ١/ ٢٦٢.
(٣) صحيح: أخرجه أحمد (٤/ ١٣٨)، والترمذي (١٠/ ٣٢ - ٣٣/ ٣٦٤٩)، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (٦٥٨ و ٦٥٩ و ٦٦٠)، وابن ماجه (١٣٨٥)، وابن خزيمة (٢/ ٢٢٥ - ٢٢٦/ ١٢١٩)، والحاكم (١/ ٣١٣ و ٥١٩ و ٥٢٦ - ٥٢٧)، والطبراني في " الكبير " (٩/ ١٧ - ١٨/ ٨٣١١)، و " الصغير " (١/ ٣٠٦ - ٣٠٧/ ٥٠٨) عن عثمان بن حُنيف رضي الله عنه.
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب "؛ وقال الحاكم في الموضع الأول: " صحيح على شرط الشيخين "، وفي الموضع الثاني: " صحيح الإِسناد "، وفي الأخير: " صحيح على شرط البخاري "، ووافقه الذهبي فيها، وقال الطبراني بعد ذكر طرقه: " والحديث صحيح " قاله في " الصغير "، ونقله عنه المنذري في " الترغيب " (٣/ ٦٧).
وقد صححه أيضاً البيهقي وأبو عبد الله المقدسي وابن تيمية كما في " مجموع الفتاوى " (١/ ٢٦٥ وما بعدها).
(٤) أخرجه مسلم (١/ ٣٥٣/ ٤٨٩)..
(٥) رواه البخاري (٢/ ٤٩٤/ ١٠١٠) عن أنس.
(٢) القول المفيد: ١/ ٢٦٢.
(٣) صحيح: أخرجه أحمد (٤/ ١٣٨)، والترمذي (١٠/ ٣٢ - ٣٣/ ٣٦٤٩)، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (٦٥٨ و ٦٥٩ و ٦٦٠)، وابن ماجه (١٣٨٥)، وابن خزيمة (٢/ ٢٢٥ - ٢٢٦/ ١٢١٩)، والحاكم (١/ ٣١٣ و ٥١٩ و ٥٢٦ - ٥٢٧)، والطبراني في " الكبير " (٩/ ١٧ - ١٨/ ٨٣١١)، و " الصغير " (١/ ٣٠٦ - ٣٠٧/ ٥٠٨) عن عثمان بن حُنيف رضي الله عنه.
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب "؛ وقال الحاكم في الموضع الأول: " صحيح على شرط الشيخين "، وفي الموضع الثاني: " صحيح الإِسناد "، وفي الأخير: " صحيح على شرط البخاري "، ووافقه الذهبي فيها، وقال الطبراني بعد ذكر طرقه: " والحديث صحيح " قاله في " الصغير "، ونقله عنه المنذري في " الترغيب " (٣/ ٦٧).
وقد صححه أيضاً البيهقي وأبو عبد الله المقدسي وابن تيمية كما في " مجموع الفتاوى " (١/ ٢٦٥ وما بعدها).
(٤) أخرجه مسلم (١/ ٣٥٣/ ٤٨٩)..
(٥) رواه البخاري (٢/ ٤٩٤/ ١٠١٠) عن أنس.