وعطية العوفي ضعفوه، وأطال السهسواني في " صيانة الإِنسان " القول في تعليل حديثه هذا، ومحمد بن عوف فيه مقال.
فلم تسلم الأحاديث الثلاثة من الطعن.
سادسا: - التوسل بالجاه:
النوع السادس: توسل المرء بحق المخلوق وجاهه، وردت آثار لو صحت ولم تؤول لدلت على جوازه بكل معظم شرعاً، من ميت أو غائب أو حاضر لم يقع منه دعاء للمتوسل، ولنقتصر من الآثار على أحسنها إسناداً أو أشهرها على الألسنة.
ومما ورد في التوسل بالجاه:
١ - روى ابن السني وأبو نعيم وأبو الشيخ الأصبهاني من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده؛ أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إني أتعلم القرآن ويتفلت مني. فعلمه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمُحَمَّدِ نَبِيِّك، وَبِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِك، وَبِمُوسَى نَجِيِّك، وَعِيسَى رُوحِك وَكَلِمَتِك، وَبِتَوْرَاةِ مُوسَى وَإِنْجِيلِ عِيسَى وَزَبُورِ دَاوُد وَفُرْقَانِ مُحَمَّدٍ، وَبِكُلِّ وَحْيٍ أَوْحَيْته وَقَضَاءٍ قَضَيْته... » الحديث (١).
٢ - وروى الحاكم في " المستدرك " وصححه من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب مرفوعاً: " لما اقترف آدم الخطيئة؛ قال: يا رب! أسألك بحق محمد لما غفرت لي. قال: وكيف عرفت محمداً؟ قال: لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحك، رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. قال: صدقت يا آدم! ولولا محمد ما خلقتك " (٢).
وهذا حديثٌ مَوْضوعٌ، وآفته عبد الملك بن هارون؛ فإنه " من أضعف الناس، وهو عند أهل العلم بالرجال متروك، بل كذّاب "، كما قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " مجموع الفتاوى " (١/ ٢٩٩) ملخصاً كلام أهل الجرح والتعديل فيه، المبثوث في ثنايا " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم، و " المجروحين " لابن حبان، و " الميزان " للذهبي، و " اللسان " لابن حجر، وغيرها.
وفيه علة ثانية- وإن كانت دون الأولى- وهي ضعف أبيه هارون كما قاله الدارقطني وغيره.
وعلة ثالثة: وهي الانقطاع بين هارون وأبي بكر، قاله العراقي في " تخريج الإِحياء " (١/ ٣١٥). وانظر: " مجموع الفتاوى " (١/ ٢٥٢ - ٢٥٣) أيضاً، و " اللآلئ المصنوعة " (٢/ ٣٥٧) للسيوطي.
وللحديث طرق أخرى عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما بأسانيد مظلمة لا يثبت منها شيء كما في " المجموع " (١/ ٢٥٨ - ٢٥٩)، و " اللآلئ " (٢/ ٣٥٦، ٣٥٧) أيضاً.
(٢) موضوع: أخرجه الحاكم (٢/ ٦١٥) وقال: " صحيح الإِسناد! ! وهو أوَّل حديث ذكرته لعبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في هذا الكتاب ". وتعقبه الحافظ الذهبي في " التلخيص " بقوله: " قلتُ: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ، وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من ذا؟ "، وفي " الميزان " (٢/ ٥٠٤) حكم على الحديث بالبطلان، وأقره الحافظ العسقلاني في " اللسان " (٣/ ٣٦٠).
وقال ابن تيمية (١/ ٢٥٤): " ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أُنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب " المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم ": عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى على من تأمّلها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه.
قلتُ: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً، وضعفه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم، وقال أبو حاتم بن حبان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم، حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف، فاستحق الترك.
وأمّا تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله؛ فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث وقالوا: إن الحاكم يصحّح أحاديث وهي موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث... ".
وانظر: " الضعيفة " (٢٥)، و " التوسل " (ص ١٠٦ - ١١٨) للألباني.