٢ - وقد روى عبد بن حميد في تفسيره المشهور، بسنده إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، أنه قال: "لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج، لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه" (١).
٣ - واستدلوا أيضا بالأثر المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما- قال: "ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقاباً" (٢).
ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: ﴿لابثين فيها أحقابا﴾ [النبأ: ٢٣].
٤ - أثر أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- في قوله - تعالى -: ﴿إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ [هود: ١٠٧] قال: "هذه الآية قاضية على القرآن كله" (٣).
ويجاب على هذا الأثر من وجهين (٤):
أحدهما: أن هذا الأثر وإن كان صحيحاً موقوفاً، إلا أنه لا دلالة فيه على فناء النار، بل كما يقول الإمام الصنعاني -رحمه الله-: "غاية ما فيه أن كل وعيد في القرآن ذكر فيه الخلود لأهل النار، فإن آية الاستثناء حاكمة عليه، وهي عبارة مجملة لا تدل على المدعى بنوع من الدلالات الثلاث" (٥).
والثاني: أن هذا الأثر محمول على عصاة المؤمنين من الموحدين الذي يبقون في النار - ما شاء الله - ثم يخرجون منها بهذه المشيئة الربانية، وعلى هذا يبطل الاستدلال به على فناء النار.

(١) ضعيف لأنه من رواية الحسن قال: قال عمر: والحسن لم يدرك عمر رضي الله عنه. وقال ابن القيم في "حادي الأرواح" "٢/ ٧١ طبع الكردي" عقبه. والحسن لم يسمع من عمر. ومع ذلك فقد حاول تقويته بكلام خطابي، لا غناء فيه. "وحسبك بهذا الإسناد جلالة "! " والحسن وإن لم يسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعين، ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به، وقال: عمر بن الخطاب"!
قلت: وهذا كلام عجيب من مثل ابن القيم رحمه الله، لأن معناه الاحتجاج بحديث التابعي المجهول العين! لأنه إذا كان الحسن قد أخذه من بعض التابعين، فمن هو؟ وما حاله في الحديث حفظا وضبطا؟ أليس منطق ابن القيم هذا يؤدي إلى قلب القواعد الأصولية الحديثية التي تجعل حديث المجهول ضعيفا، والحديث المرسل والمنقطع ضعيفا كذلك، لأنهما يرجعان إلى راو لم يذكر ولم يسم؟ ! ويؤدي كذلك إلى قبول أحاديث الحسن البصري المعنعنة، فضلا عن المنقطعة والمرسلة، مثل حديثه عن سمرة "لما حملت حواء طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميه عبد الحارث، فسمته عبد الحارث، فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره".
وهو حديث ضعيف، بل باطل، ولا علة فيه سوى عنعنة الحسن البصري، وقد فسر هو الآية التي يفسرها بعض المفسرين بهذا الحديث، فسرها الحسن نفسه بغير ما دل عليه حديثه، وتبعه على ذلك بعض المحققين، منهم ابن القيم نفسه، انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة" "رقم الحديث ٣٤٢".
ومثل حديثه المرسل في إبطال الوضوء بالقهقهة، وهو ضعيف باتفاق المحدثين!.
سامح الله ابن القيم وغفر له، فإنه بتصحيحه لمثل هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه يفتح بابا كبيرا لبعض الفرق الضالة يلجون فيه إلى تأييد ضلالهم، كالقاديانية، فإن من خلالهم القول بفناء النار، وانتهاء عذاب الكفار.
وجملة القول: أن هذا الأثر لا يصح عن عمر، كما لا يصح عن غيره مرفوعا، والله ولي التوفيق. وراجع هذا البحث كتاب "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار". للعلامة الصنعاني.
(٢) وهذا الأثر ضعيف لا يصح لا مرفوعاً ولا موقوفاً، وآفته: أبو أبلج يحيى بن سليم، وهذا الرجل ثقة في نفسه، إلا أن تضعيف الحفّاظ له جاء من قبل حفظه، فقال الحافظ ابن حجر (ت - ٨٥٢ هـ) رحمه الله عنه: "صدوق ربما أخطأ" [انظر: تقريب التهذيب ٢/ ٤٠١ – ٤٠٢]، وقد جعل الإمام الذهبي (ت - ٧٤٨ هـ) رحمه الله هذا الحديث من بلاياه، وحكم عليه بأنه منكر. [انظر: ميزان الاعتدال ٤/ ٣٨٤ – ٣٨٥].
(٣) انظر: جامع البيان للطبري ٧/ ١١٥ - ١١٦، الأسماء والصفات للبيهقي ١/ ٢٦٤، الدر المنثور للسيوطي ٣/ ٣٥٠.
(٤) انظر: دعاوى المناوئين لشيخ الاسلام ابن تيمية: ٦٠١.
(٥) رفع الأستار ص ٧٩، والدلالات الثلاث هي دلالة: التضمن، المطابقة، الالتزام.


الصفحة التالية
Icon