والثاني: أنه سارق رُبع دينار أو قيمته. وممن قال ذلك، الأوزاعيّ ومن قال بقوله. واحتجوا لقولهم ذلك بالخبر الذي رُوي عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القطعُ في ربع دِينارٍ فصاعدًا" (١).
والثالث: انه سارقَ عشرة دراهم فصاعدًا. وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه. واحتجوا في ذلك بالخبر الذي روي عن عبد الله بن عمرو، وابن عباس: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم قَطَع في مِجَنّ قيمته عَشْرة دراهم" (٢).
والرابع: أنه سارقَ القليل والكثير. واحتجوا في ذلك بأن الآية على الظاهر، وأنْ ليس لأحد أنَ يخُصَّ منها شيئًا، إلا بحجة يجب التسليم لها، وقالوا: لم يصحّ عن رسول الله ﷺ خبرٌ بأن ذلك في خاصّ من السُرَّاق، قالوا: والأخبار فيما قَطَع فيه رسول الله ﷺ مضطربة مختلفة، ولم يروِ عنه أحد أنه أتي بسارق درهمٍ فَخلَّى عنه، وإنما رووا عنه أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم. قالوا: وممكن أن يكون لو أتى بسارق ما قيمته دانقٌ أن يَقْطع. قالوا: وقد قطع ابن الزبير في دِرْهم.
وروي عن ابن عباس أنه قال: الآيةُ على العموم.
عن نجدة الحنفي قال: "سألت ابن عباس عن قوله: ﴿والسارق والسارقة﴾، أخاصّ أم عام؟ فقال: بل عام" (٣).
والخامس: أنه سارق درهم. وهذا قول الحسن (٤). وفي مواعظه: "احذر من قطع يدك في درهم" (٥).
قال الإمام الطبري: "والصواب من القول في ذلك عندنا، قولُ من قال: الآية معنيّ بها خاصٌّ من السراق، وهم سُرَّاق ربع دينار فصاعدًا أو قيمت، لصحة الخبر عن رسول الله ﷺ أنه قال: «القطعُ في ربع دينار فصاعدًا» (٦) " (٧).
قال الماوردي: " إنما بدأ الله تعالى في السرقة بالسارق قبل السارقة، وفي الزنى بالزانية قبل الزاني، لأن حب المال على الرجال أغلب، وشهوة الاستمتاع على النساء أغلب، ثم جعل حد السرقة قطع اليد لتناول المال بها، ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع مواقعة الفاحشة به، لثلاثة معانٍ:
أحدها: أن للسارق مثل يده التي قطعت فإن انزجر بها اعتاض بالثانية، وليس للزاني مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه.
والثاني: أن الحد زجر للمحدود وغيره، وقطع اليد في السرقة ظاهر، وقطع الذكر فى الزنى باطن.
والثالث: أن فى قطع الذكر إبطال النسل وليس في قطع اليد إبطاله" (٨).
وقد قطع السارق في الجاهلية، وأول من حكم بقطعه في الجاهلية الوليد ابن المغيرة، فأمر الله تعالى بقطعه فى الإِسلام، فكان أول سارق قطعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الإِسلام الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبد الأسد من
(٢) انظر: تفسير الطبري (١١٩١٣): ص ١٠/ ٢٩٦، ورواه الطحاوي في معاني الآثار ٢/ ٩٣، وأحمد في المسند برقم: ٦٩٠٠.
(٣) أخرجه الطبري (١١٩١٤): ص ١٠/ ٢٩٦.
(٤) انظر: الكشاف: ١/ ٦٣٢.
(٥) الكشاف: ١/ ٦٣٢.
(٦) سبق تحريجه.
(٧) تفسير الطبري: ١٠/ ٢٩٦.
(٨) النكت والعيون: ٢/ ٣٥.