٣ - وجوب التسليم لقضاء الله تعالى والرضا بحكمه لأنه عزيز حكيم.
٤ - ومنها: إثبات هذين الاسمين الكريمين: «الغفور»، و «الرحيم»؛ وما تضمناه من صفة، وفعل.
فـ «الغفور»: هو الذي تكثر منه المغفرة. وبناء فعول: بناء المبالغة في الكثرة (١).
والفرق بين صيغتي: «الغفار»، و «الغفور»: أن " «الغفار» (٢)، معناه: الستار لذنوب عباده في الدنيا بأن لا يهتكهم ولا يشيدهما عليهم، ويكون معنى «الغفور»: منصرفا إلى مغفرة الذنوب في الآخرة، والتجاوز عن العقوبة فيها" (٣).
و«الرحيم»: أي: ذو الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء (٤).
قال الشيخ ابن عثيمين: " «الرحيم»: أي الموصل للرحمة من يشاء من عباده" (٥)،
القرآن
﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠)﴾ [المائدة: ٤٠]
التفسير:
ألم تعلم -أيها الرسول- أن الله خالق الكون ومُدبِّره ومالكه، وأنه تعالى الفعَّال لما يريد، يعذب من يشاء، ويغفر لمن يشاء، وهو على كل شيء قدير.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٤٠]، أي: " ألم تعلم -أيها الرسول- أن الله خالق الكون ومُدبِّره ومالكه" (٦).
قال الصابوني: " أي ألم تعلم أيها المخاطب أن الله تعالى له السلطان القاهر والملك الباهر وبيده ملكوت السماوات والأرض والاستفهام للتقرير" (٧).
قال المراغي: " أي: ألم تعلم أيها الرسول أن الله له ملك السموات والأرض يدبر الأمر فيها بحكمته وعدله ورحمته وفضله، ومن حكمته أنه وضع هذا العقاب لكل من يسرق ما يعد به سارقا كما وضع العقاب للمحاربين المفسدين فى الأرض" (٨).
قال الطبري: " يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم يعلم هؤلاء [يعني القائلين]: لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة، الزاعمين أنهم أبناء الله وأحباؤه أن الله مدبِّر ما في السموات وما في الأرض، ومصرفه وخالقه، لا يمتنع شيء مما في واحدة منهما مما أرادَه، لأن كل ذلك ملكه، وإليه أمره، ولا نسب بينه وبين شيء مما فيهما ولا مما في واحدة منهما، فيحابيه بسبب قرابته منه، فينجيه من عذابه، وهو به كافر، ولأمره ونهيه مخالف أو يدخله النار وهو له مطيع لبعد قرابته منه... وخرج قوله: ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض، خطابًا له -صلى الله عليه وسلم-، والمعنيُّ به من ذكرتُ من فرق بني إسرائيل الذين كانوا بمدينة رسول

(١) انظر: شأن الدعاء: ١/ ٦٥.
(٢) قال الخطابي: " الغفار: هو الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد أخرى. كلما تكررت التوبة في الذنب من العبد تكررت المغفرة. كقوله -سبحانه-: ﴿وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى﴾ [طه: ٨٢].
وأصل الغفر في اللغة: الستر والتغطية، ومنه قيل لجنة الرأس: المغفر، وبه سمي زئبر الثوب غفرا وذلك لأنه يستر سداه؛ فالغفار: الستار لذنوب عباده، والمسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته. ومعنى الستر في هذا أنه لا يكشف أمر العبد لخلقه ولا يهتك ستره بالعقوبة التي تشهره في عيونهم ويقال: إن المغفرة مأخوذة من الغفر: وهو فيما حكاه بعض أهل اللغة نبت يداوى به الجراح، يقال إنه إذا ذر عليها دملها وأبراها". [شأن الدعاء: ١/ ٥٢ - ٥٣، وانظر: اللسان وتاج العروس، مادة"غفر"].
(٣) شأن الدعاء: ١/ ٦٥.
(٤) انظر: تفسير ابن عثيمين: الفاتحة والبقرة: ١/ ١٨٨، وشرح أسماء الحسنى في ضوء الكتاب والسنة: ٨٤.
(٥) تفسير ابن عثيمين الفاتحة والبقرة: ١/ ٥.
(٦) التفسير الميسر: ١١٤.
(٧) صفوة التفاسير: ٣١٤.
(٨) تفسير المراغي: ٦/ ١١٥.


الصفحة التالية
Icon