وقال الراغب: " وإنما قال يعذب من يشاء فقدم ذكر العقوبة على الغفران، لأن القصد بما تقدم الردع عن ارتكاب ما يقتضى عقوبة الدارين فكان تقديم ما يقتضي ذلك أولى" (١).
قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: ٤٠]، أي: " وهو القادر على كل شيء الذي لا يعجزه شيء" (٢).
قال محمد بن إسحاق: " إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير" (٣).
قال الطبري: يقول" والله جل وعز على تعذيب من أرَاد تعذيبه من خلقه على معصيته، وغفرانِ ما أراد غفرانه منهم باستنقاذه من الهلكة بالتوبة عليه وغير ذلك من الامور كلها قادرٌ، لأن الخلق خلقُه، والملك ملكه، والعباد عباده" (٤).
قال المراغي: " أي: وهو القادر على كل شىء من التعذيب والرحمة لا يعجزه شىء فى تدبير ملكه" (٥).
وذكر السمرقندي وجها ىخر من التأويل للآية فقال: " ومعناه: أن السارق إذا تاب، ورد المال لا يقطع ويتجاوز عنه، وإن لم يتب قطعت يده، ألا ترى أن الله تعالى قال: ﴿له ملك السماوات والأرض﴾ يعذب إذا لم يتب ويتجاوز إذا تاب، فافعلوا أنتم مثل ذلك، لأن الله تعالى مع قدرته يتجاوز عن عباده، وهو قوله: ﴿والله على كل شيء قدير﴾، من المغفرة والعذاب" (٦).
الفوائد:
١ - أن أن عقاب السراق والعفو عن التائبين جاء وفق الحكمة والعدل والرحمة.
٢ - وفي الآية نقض على المعتزلة؛ لأنهم يقولون: الصغيرة مغفورة ليس له أن يعذب عليها، والكبيرة يخلد صاحبها في النار ليس له أن يعفو عنها. فلو كان على ما قالوا لذهب معنى التخيير بقوله - تعالى -: ﴿يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء﴾ إذا ما عفا: عفا ما عليه أن يعفو، وكذلك ما عذب: عذب ما عليه أن يعذب؛ فيذهب فائدة التخيير، وقد أخبر أنه ﴿يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء﴾ (٧).
٣ - ومن اسمائه تعالى: «القدير»: إذ "وصف الله نفسه بأنه قادر على كل شيء، أراده: لا يعترضه عجز ولا فتور" (٨).
روي البيهقي عن عبد العزيز قال الحليمي، قال: "و «القدير»: التام القدرة لا يلابس قدرته عجز بوجه" (٩).
القرآن
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ

(١) تفسير الراغب الأصفهاني: ٤/ ٣٥٠.
(٢) صفوة التفاسير: ٣١٤.
(٣) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٣٤٩): ص ٤/ ١١٢٩.
(٤) تفسير الطبري: ١٠/ ٣٠١.
(٥) تفسير المراغي: ٦/ ١١٥.
(٦) بحر العلوم: ١/ ٣٨٩.
(٧) انظر: تفسير الماتريدي: ٣/ ٥١٨.
(٨) شأن الدعاء للخطابي: ٨٥.
(٩) الاسما والصفات: ٢/ ١١١.


الصفحة التالية
Icon