لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٤١)} [المائدة: ٤١]
التفسير:
يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في جحود نبوتك من المنافقين الذين أظهروا الإسلام وقلوبهم خالية منه، فإني ناصرك عليهم. ولا يحزنك تسرُّع اليهود إلى إنكار نبوتك، فإنهم قوم يستمعون للكذب، ويقبلون ما يَفْتَريه أحبارُهم، ويستجيبون لقوم آخرين لا يحضرون مجلسك، وهؤلاء الآخرون يُبَدِّلون كلام الله من بعد ما عَقَلوه، ويقولون: إن جاءكم من محمد ما يوافق الذي بدَّلناه وحرَّفناه من أحكام التوراة فاعملوا به، وإن جاءكم منه ما يخالفه فاحذروا قبوله، والعمل به. ومن يشأ الله ضلالته فلن تستطيع -أيها الرسول- دَفْعَ ذلك عنه، ولا تقدر على هدايته. وإنَّ هؤلاء المنافقين واليهود لم يُرِدِ الله أن يطهِّر قلوبهم من دنس الكفر، لهم الذلُّ والفضيحة في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
في سبب نزول الآيات [٤١ - ٤٧] خمسة أقوال:
أحدها: قال البراء بن عازب: " مرَّ النبي ﷺ بيهوديٍّ محمَّم (١) مجلود، فدعا النبي ﷺ رجلا من علمائهم فقال: أهكذا تجِدُون حدَّ الزاني فيكم؟ قال: نعم! قال: فأنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حدّ الزنى فيكم؟ قال: لا ولولا أنك نشدتني بهذا لم أحدِّثك، ولكن الرجم، ولكن كثرُ الزنا في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجتمع فنضع شيئًا مكان الرجم، فيكون على الشريف والوضيع، فوضعنا التحميم والجلد مكان الرجم! فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أنا أوّل من أحيي أمرك إذ أماتوه! فأمر به فرجم، فأنزل الله: ﴿لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر﴾ الآية" (٢). [صحيح]
والثاني: أنها نزلت في ابن صوريا آمن ثم كفر، وهذا المعنى مروي عن أبي هريرة (٣).
والثالث: أنها نزلت في يهودي قتل يهوديا، ثم قال: سلوا محمدا فإن كان بعث بالدية، اختصمنا إليه، وإن كان بعث بالقتل، لم نأته، قاله عامرالشعبي (٤).
والرابع: أنها نزلت في المنافقين، قاله ابن عباس (٥)، ومجاهد (٦)، والضحاك (٧)، وعبدالله بن كثير (٨).
والخامس: أن رجلا من الأنصار زعموا أنه أبو أبي لُبابة بن عبد المنذر أشارت إليه بنو قريظة يوم حصارهم: على ماذا ننزل؟ فأشار إليهم: أنه الذبح، قاله السدي (٩)، ومقاتل (١٠).
(٢) أخرجه مسلم (١٧٠٠)، وأبو داود (٤٤٤٧) و (٤٤٤٨)، وأحمد: ٤/ ٢٨٦، وابن ماجة (٢٥٥٨)، والبيهقي: ٨/ ٢٤٦، والطبري (١١٩٢٢): ص ١٠/ ٣٠٤ - ٣٠٥، واللفظ له، والواحدي في أسباب النزول: ١٩٥ - ١٩٦.
(٣) انظر: تفسير الطبري (١١٩٢١): ص ١٠/ ٣٠٣ - ٣٠٤، وسيرة ابن هشام ٢/ ٢١٣، ٢١٤، وهذا الخبر رواه أحمد مختصرا. ورواه أبو داود في سننه ٤/ ٢١٦ - ٢١٨، رقم: ٤٤٥٠، ٤٤٥١، بغير هذا اللفظ، ولم يذكر فيه أنه ابن صوريا، والبيهقي في السنن ٨/ ٢٤٦، ٢٤٧. وانظر تفسير ابن كثير ٣/ ١٥٦.
(٤) انظر: تفسير الطبري (١١٩١٩): ص ١٠/ ٣٠٢. [مرسل ضعيف، وهو معارض بحديث البراء، وذاك أصح].
وإسناد ضعيف، فيه راو لم يسم.
(٥) كما في زاد المسير: ١/ ٥٤٨، ولم أره عن ابن عباس، والخبر ضعيف بكل حال. وقد أخرج ابن ابي حاتم (٦٣٥١): ص ٤/ ١١٣٠: "علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: ﴿لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر﴾، هم اليهود".
(٦) انظر: تفسير الطبري (١١٩٢٦): ص ١٠/ ٣٠٦، وتفسير مجاهد: ٢٦٢.
(٧) انظر: بحر العلوم: ١/ ٣٨٩، وفيه: " قال الضحاك: نزلت الآية في شأن المنافقين، كانت علانيتهم تصديقا، وسرائرهم تكذيبا".
(٨) انظر: تفسير الطبري (١١٩٢٥): ص ١٠/ ٣٠٦.
(٩) انظر: تفسير الطبري (١١٩١٨): ص ١٠/ ٣٠٢. [مرسل، ضعيف جدا، والمرسل من قسم الضعيف، والمتن منكر، معارض بما تقدم عن البراء، ومراسيل السدي مناكير. وانظر: أحكام القرآن: ٧١٧]
(١٠) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٤٧٤.