واجعلوه حجة بينكم وبين الله، ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم بينكم بذلك، وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه في ذلك" (١).
قال الطبري: "وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب، أن يقال: عني بقوله: ﴿لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم﴾، قومٌ من المنافقين. وجائزٌ أن يكون كان ممن دخل في هذه الآية ابنُ صوريا وجائز أن يكون أبو لبابة وجائز أن يكون غيرُهما، غير أن أثبت شيء روي في ذلك، ما ذكرناه من الرواية قبلُ عن أبي هريرة والبراء بن عازب، لأن ذلك عن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا كان ذلك كذلك، كان الصحيحُ من القول فيه أن يقال: عُنِي به عبد الله بن صوريَا، وإذا صحّ ذلك، كان تأويل الآية: يا أيُّها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في جحود نبوّتك، والتكذيبِ بأنك لي نبي، من الذين قالوا: صدَّقنا بك يا محمد أنك لله رسول مبعوث، وعلمنا بذلك يقينًا، بوجودنا صِفَتك في كتابنا.
وذلك أن في حديث أبي هريرة الذي رواه ابن إسحاق عن الزهري: أن ابن صُوريا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله يا أبا القاسم، إنهم ليعلمون أنك نبى مُرسْل، ولكنهم يحسدونك، فذلك كان على هذا الخبر من ابن صوريا إيمانًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفيه، ولم يكن مصدِّقًا لذلك بقلبه، فقال الله جل وعزّ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مُطْلِعَه على ضمير ابن صوريا وأنه لم يؤمن بقلبه، يقول: ولم يصدِّق قلبه بأنك لله رسول مرسل" (٢).
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ [المائدة: ٤١]، أي: " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في جحود نبوتك" (٣).
قال ابن عباس: "هم اليهود" (٤).
قوله تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ [المائدة: ٤١]، أي: " من المنافقين الذين أظهروا الإسلام وقلوبهم خالية منه، فإني ناصرك عليهم " (٥).
قال ابن عباس: " هم المنافقون" (٦).
قال مجاهد: ": ﴿آمنا بأفواههم﴾، يقول: هم المنافقون" (٧).
قال الزمخشري: " المعنى: لا تهتم ولا تبال بمسارعة المنافقين في الكفر أى في إظهاره بما يلوح منهم من آثار الكيد للإسلام ومن موالاة المشركين، فإنى ناصرك عليهم وكافيك شرهم. يقال: أسرع فيه الشيب، وأسرع فيه الفساد، بمعنى: وقع فيه سريعا، فكذلك مسارعتهم في الكفر ووقوعهم وتهافتهم فيه، أسرع شيء إذا وجدوا فرصة لم يخطؤها" (٨).
قال السمرقندي: ﴿يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ " أي: يبادرون ويقعون في الكفر، ﴿مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ يعني: ذلك بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم في السر " (٩).
وقرئ «لا يحزنك»، بضم الياء، و «يسرعون» (١٠).
قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾ [المائدة: ٤١]، أي: " ولا يحزنك تسرُّع اليهود إلى إنكار نبوتك" (١١).
(٢) تفسير الطبري: ١٠/ ٣٠٧.
(٣) التفسير الميسر: ١١٤.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٦٣٥١): ص ٤/ ١١٣٠.
(٥) التفسير الميسر: ١١٤.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (٦٣٥١): ص ٤/ ١١٣٠.
(٧) اخرجه الطبري (١١٩٢٦): ص ١٠/ ٣٠٦.
(٨) الكشاف: ١/ ٦٢٢ - ٦٢٣.
(٩) تفسير السمرقندي: ١/ ٣٨٩.
(١٠) انظر: الكشاف: ١/ ٦٣٢.
(١١) التفسير الميسر: ١١٤.