قال قتادة: " ذكر لنا أن هذا كان في قتيلٍ من بني قريظة، قتلته النضير. فكانت النضير إذا قتلت من بني قريظة لم يُقِيدوهم، إنما يعطونهم الدية لفضلهم عليهم. وكانت قريظة إذا قتلت من النضير قتيلا لم يرضوا إلا بالقَوَد لفضلهم عليهم في أنفسهم تعزُّزًا. فقدم نبيُّ الله ﷺ المدينة على تَفِئَةِ قتيلهم هذا، فأرادوا أن يرفعوا ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال لهم رجل من المنافقين: إن قتيلكم هذا قتيل عَمْدٍ، متى ما ترفعونه إلى محمد ﷺ أخشى عليكم القَوَد، فإن قبل منكم الدية فخذوه، وإلا فكونوا منه على حَذَرٍ! " (١).
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [المائدة: ٤١]، أي: " ومن يشأ الله ضلالته فلن تستطيع -أيها الرسول- دَفْعَ ذلك عنه، ولا تقدر على هدايته" (٢).
قال ابن عباس: " يقول: لن تغير عنه شيئا" (٣).
قال الطبري: أي: " ومن يرد الله، يا محمد، مَرْجعه بضلالته عن سبيل الهدى، فلن تملك له من الله استنقاذًا مما أراد الله به من الحيرة والضلالة. ، فلا تشعر نفسك الحزنَ على ما فاتك من اهتدائه للحق وهذا تسلية من الله تعالى ذكره نبيَّه محمدًا ﷺ من حزنه على مسارعة الذين قصَّ قصتهم من اليهود والمنافقين في هذه الآية... ومعنى «الفتنة» في هذا الموضع: الضلالة عن قصد السبيل" (٤).
وفي قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ﴾ [المائدة: ٤١]، أربعة تاويلات:
أحدها: عذابه، وهذا قول الحسن (٥).
والثاني: معنه: من يرد الله ضلالته، وهو قول ابن عباس (٦)، والسدي (٧).
والثالث: فضيحته، وهو قول الزجاج (٨).
والرابع: اختباره بما يظهر به أمره، يقال فتنت الحديد إذا أحميته، وفتنت الرجل إذا أزلته عما كان عليه، ومنه قوله: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الإسراء: ٧٣]، أي: وإن كادوا ليزيلونك. أفاده الزجاج (٩).
قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ [المائدة: ٤١]، أي: " وإنَّ هؤلاء المنافقين واليهود لم يُرِدِ الله أن يطهِّر قلوبهم من دنس الكفر" (١٠).
قال الطبري: أي: " هؤلاء الذين لم يرد الله أن يطهِّر من دنس الكفر ووَسخ الشرك قُلوبَهم، بطهارة الإسلام ونظافة الإيمان، فيتوبوا" (١١).
قال الزجاج: " أي: أن يهينهم (١٢).
قال ابن عباس: " إنما سمي: «القلب»، لتقلبه" (١٣).
وفي قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ [المائدة: ٤١]، وجهان:
أحدهما: لم يطهرها من الضيق والحرج عقوبة لهم. ذكره الماوردي (١٤).
والثاني: لم يطهرها من الكفر. قاله الطبري (١٥)، والزجاج (١٦).
(٢) التفسير الميسر: ١١٤.
(٣) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٣٧١): ص ٤/ ١١٣٣.
(٤) تفسير الطبري: ١٠/ ٣١٦ - ٣١٧.
(٥). انظر: النكت والعيون: ٢/ ٣٩
(٦) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٦٣٧٠): ص ٤/ ١١٣٣.
(٧) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٦٣٧٠): ص ٤/ ١١٣٣.
(٨) انظر: معاني القرآن: ٢/ ١٧٦.
(٩) انظر: معاني القرآن: ٢/ ١٧٦.
(١٠) التفسير الميسر: ١١٤.
(١١) تفسير الطبري: ١٠/ ٣١٧ - ٣١٨.
(١٢) معاني القرآن: ٢/ ١٧٦.
(١٣) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٣٧٢): ص ٤/ ١١٣٣.
(١٤) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٤٠.
(١٥) انظر: تفسير الطبري: ١٠/ ٣١٧ - ٣١٨.
(١٦) انظر: معاني القرآن: ٢/ ١٧٦.