قوله تعالى: ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾ [المائدة: ٤١]، أي: " لهم الذلُّ والفضيحة في الدنيا" (١).
قال الطبري: أي: "بل أراد بهم الخزي في الدنيا وذلك الذلّ والهوان" (٢).
قال الزجاج: " قيل لهم في الدنيا فضيحة بما أظهر الله من كذبهم، وقيل لهم في الدنيا خزي بأخذ الجزية منهم، وضرب الذلة والمسكنة عليهم" (٣).
قال عكرمة: " مدينة في الروم تُفْتح فَيُسْبَوْن" (٤).
قال ابن السدي: " أما خزيهم في الدنيا، إذا قام المهدي فتح القسطنطينية فقتلهم وذلك الخزي" (٥).
وروي عن قتادة قال: "مدينة تفتح بالروم" (٦).
وفي رواية اخرى عن قتادة: " يعني: ما أنزل الله بأهل قريظة من السبي والقتل، وبأهل النضير من الجلاء" (٧).
قوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: ٤١]، أي: "ولهم في الآخرة عذاب عظيم وهو الخلود في نار جهنم" (٨).
قال مقاتل بن حيان: عذاب عظيم يعني: عذابا وافرا" (٩).
قال الطبري: أي: " وفي الآخرة عذابُ جهنم خالدين فيها أبدًا" (١٠).
الفوائد:
١ - استحباب ترك الحزن باجتناب أسبابه ومثيراته.
٢ - حرمة سماع الكذب لغير حاجة تدعو إلى ذلك.
٣ - حرمة تحريف الكلام وتشويهه للإفساد.
٤ - أن الهدى نوعان:
أحدهما: الهدى العام: وهو البيان والدلالة والإرشاد، وقد فعل ذلك - ﷺ - فبين المحجة البيضاء، حتى تركها ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها هالك.
والثاني: الهدى الخاص: وهو التفضل بالتوفيق ; لأن ذلك بيد الله وحده، وليس بيده - ﷺ - كما قال - تعالى -: ﴿ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم الآية﴾ [المائدة: ٤١]. وقوله - تعالى -: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [النحل: ٣٧]. والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
٥ - أن هذه الآية منطبقة على عقيدة أهل السنة في أن الله تعالى أراد الفتنة من المفتونين، ولم يرد أن يطهر قلوبهم من دنس الفتنة ووضر الكفر، لا كما تزعم المعتزلة من أنه تعالى ما أراد الفتنة من أحد، وأراد من كل أحد الايمان وطهارة القلب، وأن الواقع من الفتن على خلاف إرادته، وأن غير الواقع من طهارة قلوب الكفار مراد ولكن لم يقع، فحسبهم هذه الآية وأمثالها، لو أراد الله أن يطهر قلوبهم من وضر البدع، أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها.

(١) التفسير الميسر: ١١٤.
(٢) تفسير الطبري: ١٠/ ٣١٨.
(٣) معاني القرآن: ٢/ ١٧٧.
(٤) أخرجه الطبري (١١٩٤١): ص ١٠/ ٣١٨.
(٥) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٣٧٣): ص ٤/ ١١٣٣.
(٦) تفسير ابن ابي حاتم: ص ٤/ ١١٣٣. ذكره دون إسناد
(٧) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٣٧٤): ص ٤/ ١١٣٣.
(٨) التفسير الميسر: ١١٤.
(٩) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٣٧٥): ص ٤/ ١١٣٣.
(١٠) تفسير الطبري: ١٠/ ٣١٨.


الصفحة التالية
Icon