وقد قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾: أي: " أولئك الذين لم يرد الله أن يمنحهم من ألطافه ما يطهر به قلوبهم لأنهم ليسوا من أهلها، لعلمه أنها لا تنفع فيهم ولا تنجع ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ﴾ [النحل: ١٠٤]، ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ٨٦] " (١).
وما أبشع صرف الزمخشري هذه الآية عن ظاهرها بقوله: لم يرد الله أن يمنحهم ألطافه، لعلمه أن ألطافه لا تنجع فيهم ولا تنفع، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وإذا لم تنجع ألطاف الله تعالى ولم تنفع، فلطف من ينفع وإرادة من تنجع؟ وليس وراء الله للمرء مطمع (٢).
القرآن
﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢)﴾ [المائدة: ٤٢]
التفسير:
هؤلاء اليهود يجمعون بين استماع الكذب وأكل الحرام، فإن جاؤوك يتحاكمون إليك فاقض بينهم، أو اتركهم، فإن لم تحكم بينهم فلن يقدروا على أن يضروك بشيء، وإن حكمت فاحكم بينهم بالعدل. إن الله يحب العادلين.
قوله تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢]، أي: " هؤلاء اليهود يجمعون بين استماع الكذب وأكل الحرام" (٣).
قال الحسن: " تلك الحكام، سمعوا كِذْبَةً وأكلوا رِشْوَةً" (٤).
قال قتادة: " كان هذا في حكّام اليهودِ بين أيديكم، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرُّشَى" (٥).
قال الطبري: أي: " هؤلاء اليهود الذين وصفتُ لك، يا محمد، صفتَهم، سَمَّاعون لقِيل الباطل والكذب، ومن قيل بعضهم لبعض: محمد كاذب، ليس بنبي، وقيل بعضهم: إن حكم الزاني المحصن في التوراة الجلد والتحميم، وغير ذلك من الأباطيل والإفك ويقبلون الرُّشَى فيأكلونها على كذبهم على الله وفريتهم عليه" (٦).
قال الواحدي: "يعني: حكَّام اليهود يسمعون الكذب ممَّنْ يأتيهم مُبطلاً ويأخذون الرِّشوة منه فيأكلونها" (٧).
وفي قوله تعالى: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢]، وجوه:
أحدها: أن السحت الرشوة، رواه ابن عمرعن النبي -صلى الله عليه وسلم- (٨).
والثاني: إن مهر البغي وثمن الكلب والسنور وكسب الحجام من السحت. رواه أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (٩)
والثالث: أنه الرشوة فى الحكم، وهو قول ابن عباس (١٠)، ومجاهد (١١)، والضحاك (١٢)، وسعيد بن جبير (١٣)، والحسن (١٤)، وإبراهيم (١٥)، وعكرمة (١٦)، وابن زيد (١٧).
(٢) انظر: الكشاف: ١/ ٦٢٤، الحاشية.
(٣) التفسير الميسر: ١١٥.
(٤) أخرجه الطبري (١١٩٤٢): ص ١٠/ ٣١٨ - ٣١٩.
(٥) أخرجه الطبري (١١٩٤٣): ص ١٠/ ٣١٩.
(٦) تفسير الطبري: ١٠/ ٣١٨.
(٧) الوجيز: ٣٢٠.
(٨) انظر: تفسير الطبري (١١٩٦٧): ص ١٠/ ٣٢٣، وتفسير ابن أبي حاتم (٦٣٧٩): ص ٤/ ١١٣٤.
(٩) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٦٣٨٤): ص ٤/ ١١٣٥
(١٠) انظر: تفسير الطبري (١١٩٦٢): ص ١٠/ ٣٢٢.
(١١) انظر: تفسير الطبري (١١٩٤٤): ص ١٠/ ٣١٩.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (١١٩٥٧): ص ١٠/ ٣٢١.
(١٣) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٦٣٨٧): ص ٤/ ١١٣٥.
(١٤) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٦٣٨٧): ص ٤/ ١١٣٥، وتفسير الطبري (١١٩٤٢): ص ١٠/ ٣١٨ - ٣١٩
(١٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٦٣٨٧): ص ٤/ ١١٣٥.
(١٦) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٦٣٨٧): ص ٤/ ١١٣٥.
(١٧) انظر: تفسير الطبري (١١٩٦٦): ص ١٠/ ٣٢٣.