وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَع مِنَ الْمَالِ إلا مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّفُ
فسمي سحتاً لأنه يسحت الدين والمروءة (١).
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي، وأبو جعفر: «السحت» مضمومة الحاء مثقلة،
وقرأ نافع، وابن عامر، وعاصم، وحمزة: «السحت» ساكنة الحاء خفيفة، وروى خارجة بن مصعب عن نافع: «أكالون للسحت» بفتح السين وجزم الحاء (٢).
قوله تعالى: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائدة: ٤٢]، أي: " فإن جاؤوك يتحاكمون إليك فاقض بينهم، أو اتركهم" (٣).
قال ابن عطية: " تخيير للنبي ﷺ ولحكام أمته بعده في أن يحكم بينهم إذا تراضوا في نوازلهم" (٤).
قال البيضاوي: " تخيير لرسول الله ﷺ إذا تحاكموا إليه بين الحكم والإعراض ولهذا قيل: لو تحاكم كتابيان إلى القاضي لم يجب عليه الحكم، وهو قول للشافعي والأصح وجوبه إذا كان المترافعان أو أحدهما ذميا لأنا التزمنا الذب عنهم ودفع الظلم منهم، والآية ليست في أهل الذمة، وعند أبي حنيفة يجب مطلقا" (٥).
فيمن أريد بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائدة: ٤٢]، وجهان:
أحدهما: اليهوديان اللذان زنيا خيّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يحكم بينهما بالرجم أو يدع، وهذا قول ابن عباس (٦)، والحسن (٧)، ومجاهد (٨)، وابن شهاب الزهري (٩)، وعبدالله بن كثير (١٠).
والثاني: أنها في نفسين من بني قريظة وبني النضير قتل أحدهما صاحبه فخّير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند احتكامهما إليه بين أن يحكم بالقود أو يدع، وهذا قول ابن عباس-في رواية أخرى (١١)، وقتادة (١٢)، وابن زيد (١٣).
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا﴾ [المائدة: ٤٢]، أي: " فإن لم تحكم بينهم فلن يقدروا على أن يضروك بشيء" (١٤).
قال قتادة: "يقول: إن جاءوك فاحكم بينهم بما أنزل الله، أو أعرض عنهم. فجعل الله له في ذلك رُخْصة، إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم" (١٥).
روي عن إبراهيم والشعبي، قالا: إذا أتاك المشركون فحكَّموك فيما بينهم، فاحكم بينهم بحكم المسلمين ولا تعدُه إلى غيره، أو أعرض عنهم وخلِّهم وأهلَ دينهم" (١٦).
(١) انظر: تفسير الطبري: ١٠/ ٣٢٤، والنكت والعيون: ٢/ ٤٠.
(٢) انظر: زاد المسير: ١/ ٥٥٠.
(٣) التفسير الميسر: ١١٥.
(٤) المحرر الوجيز: ٢/ ١٩٤.
(٥) تفسير البيضاوي: ٢/ ١٢٧.
(٦) انظر: تفسير الطبري (١١٩٧٢): ص ١٠/ ٣٢٥ - ٣٢٦.
(٧) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٤٠.
(٨) انظر: تفسير الطبري (١١٩٧٠): ص ١٠/ ٣٢٥.
(٩) انظر: تفسير الطبري (١١٩٧١): ص ١٠/ ٣٢٥.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (١١٩٧٣): ص ١٠/ ٣٢٦.
(١١) انظر: تفسير الطبري (١١٩٧٤): ص ١٠/ ٣٢٦ - ٣٢٧.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (١١٩٣٧): ص ١٠/ ٣١٥ - ٣١٦، و (١١٩٨٤): ص ١٠/ ٣٣٠.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (١١٩٧٦): ص ١٠/ ٣٢٧ - ٣٢٨.
(١٤) التفسير الميسر: ١١٥.
(١٥) أخرجه الطبري (١١٩٨٤): ص ١٠/ ٣٣٠.
(١٦) أخرجه الطبري (١١٩٨٥): ص ١٠/ ٣٣٠.


الصفحة التالية
Icon