قال ابن عطية: " أمن الله تعالى نبيه –ص-لى الله عليه وسلم من ضررهم إذ أعرض عنهم وحقر في ذلك شأنهم، والمعنى أنك منصور ظاهر الأمر على كل حال، وهذا نحو من قوله تعالى للمؤمنين: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ﴾ [آل عمران: ١١١] " (١).
قال البيضاوي: " بأن يعادوك لإعراضك عنهم فإن الله سبحانه وتعالى يعصمك من الناس" (٢).
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة: ٤٢]، أي: " وإن حكمت فاحكم بينهم بالعدل" (٣).
قال البيضاوي: " أي: بالعدل الذي أمر الله به" (٤).
قال ابن عطية: " أي: إن اخترت أن تحكم بينهم في نازلة ما ﴿فاحكم بينهم بالقسط﴾، أي: بالعدل، يقال: أقسط الرجل إذا عدل وحكم بالحق وقسط إذا جار، ومنه قوله: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن: ١٥] " (٥).
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة: ٤٢]، أي: " إن الله يحب العادلين" (٦).
قال أبو مالك: " يعني: المعدلين في القول والفعل" (٧).
قال البيضاوي: " فيحفظهم ويعظم شأنهم" (٨).
واختلفوا في التخيير في الحكم بينهم، هل هو ثابت أو منسوخ؟ على قولين (٩):
أحدهما: أن التخيير منسوخ بقوله تَعَالَى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: ٤٩]، وهذا قول ابن عباس (١٠)، وعمر بن عبدالعزيز (١١)، والحسن (١٢)، وعكرمة (١٣)، ومجاهد (١٤)، وقتادة (١٥)، والسدي (١٦)، وزيد بن أسلم (١٧)، وعطاء الخراساني (١٨)، والزهري (١٩).
وعلى هذا القول َيجب أن الحكم بينهم واجب على من تحاكموا إليه من حكام المسلمين.
قال ابن عباس: " آيتان نسختا من هذه الآية السورة- يعني المائدة- آية القلائد. وقوله: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ (٢٠)، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- مخير إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم، فردهم إلى أحكامهم، فنزلت ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ (٢١)، فأمر رسول الله ﷺ أن يحكم بينهم بما في كتابنا" (٢٢).
(٢) تفسير البيضاوي: ٢/ ١٢٧.
(٣) التفسير الميسر: ١١٥.
(٤) تفسير البيضاوي: ٢/ ١٢٧.
(٥) المحرر الوجيز: ٢/ ١٩٥.
(٦) التفسير الميسر: ١١٥.
(٧) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٣٩٣): ص ٤/ ١١٣٧.
(٨) تفسير البيضاوي: ٢/ ١٢٧.
(٩) انظر: قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن: ٩٩.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (١١٩٨٦): ص ١٠/ ٣٣٠، وتفسير ابن ابي حاتم (٦٣٨٨): ص ٤/ ١١٣٥ - ١١٣٦.
(١١) انظر: تفسير الطبري (١١٩٩٢): ص ١٠/ ٣٣٢.
(١٢) انظر: تفسير ابن ابي حاتم: ٤/ ١١٣٦، ذكره دون إسناد.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (١١٩٨٦)، و (١١٩٨٧)، و (١١٩٨٨): ص ١٠/ ٣٣٠، ٣٣١، وتفسير ابن ابي حاتم: ٤/ ١١٣٦، ذكره دون إسناد.
(١٤) انظر: تفسير الطبري (١١٩٨٩): ص ١٠/ ٣٣١.
(١٥) انظر: تفسير الطبري (١١٩٩١): ص ١٠/ ٣٣١.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (١١٩٩٥): ص ١٠/ ٣٣٢، وتفسير ابن ابي حاتم: ٤/ ١١٣٦، ذكره دون إسناد.
(١٧) انظر: تفسير ابن ابي حاتم: ٤/ ١١٣٦، ذكره دون إسناد.
(١٨) انظر: تفسير ابن ابي حاتم: ٤/ ١١٣٦، ذكره دون إسناد.
(١٩) انظر: تفسير الطبري (١١٩٩٤): ص ١٠/ ٣٣٢.
(٢٠) [سورة المائدة: ٤٢].
(٢١) [سورة المائدة: ٤٩].
(٢٢) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٣٨٨): ص ٤/ ١١٣٥ - ١١٣٦.