٢ - أن الحاكم المسلم مخير في الحكم بين أهل الكتاب، إن شاء حكم بينهم وإن شاء أحالهم على علمائهم.
٢ - وجوب العدل في الحكم ولو كان المحكوم عليه غير مسلم.
٣ - أن حكم الله أحسن الأحكام، والشرع هو ما أنزل الله، فكل من حكم بما أنزل الله فقد حكم بالعدل، لكن العدل قد يتنوع بتنوع الشرائع والمناهج، فيكون العدل في كل شرعة بحسبها، ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين﴾.
القرآن
﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣)﴾ [المائدة: ٤٣]
التفسير:
إنَّ صنيع هؤلاء اليهود عجيب، فهم يحتكمون إليك -أيها الرسول- وهم لا يؤمنون بك، ولا بكتابك، مع أن التوراة التي يؤمنون بها عندهم، فيها حكم الله، ثم يتولَّون مِن بعد حكمك إذا لم يُرضهم، فجمعوا بين الكفر بشرعهم، والإعراض عن حكمك، وليس أولئك المتصفون بتلك الصفات، بالمؤمنين بالله وبك وبما تحكم به.
قوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٤٣]، أي: " كيف يحكّمك يا محمد هؤلاء اليهود ويرضون بحكمك وعندهم التوراة فيها حكم الله يرونه ولا يعملون به؟ " (١).
قال ابن عباس: " يعني: حدود الله، فأخبر الله بحكمه في التوراة" (٢).
قال قتادة: " أي: بيان الله ما تشاجروا فيه من شأن قتيلهم ثم يتولون من بعد ذلك، الآية" (٣).
قال السدي: " قال -يعني الرب تعالى ذكره- يعيِّرهم: وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله، يقول: الرجم" (٤).
قال الزمخشري: " وكيف يحكمونك تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه، مع أن الحكم منصوص في كتابهم الذي يدعون الإيمان به" (٥).
قال الواحدي: " عجَّب الله نبيه عليه السلام من تحكيم اليهود إيَّاه بعد علمهم بما في التَّوراة من حكم الزَّاني وحدِّه" (٦).
قال عبدالقاهر الجرجاني: " ﴿وكيف﴾ أداة تعجب، وهو استبقاء درجة وجودة تحكيمهم النبي -عليه السلام- وتسليمهم له وهم به منكرون مع مخالفتهم التوراة وهم به مقرُّون" (٧).
قال الراغب: " أنكر الله تعالى تحكيمهم للنبي - ﷺ - وهم لا يؤمنون به وعندهم الحكم في التوراة، والمعنى هاتين الحالتين مستنكر بتحكيمهم إياك" (٨).
قال الطبري: أي: "وكيف يحكمك هؤلاء اليهود، يا محمد، بينهم، فيرضون بك حكمًا بينهم وعندهم التوراة التي أنزلتها على موسى، التي يقرُّون بها أنها حق، وأنها كتابي الذي أنزلته إلى نبيي، وأن ما فيه من حكم فمن حكمي، يعلمون ذلك لا يتناكرونه، ولا يتدافعونه، ويعلمون أن حكمي فيها على الزاني المحصن الرجم، وهم مع عملهم بذلك يتولون، يقول: يتركون الحكم
(٢) أخرجه الطبري (١٢٠٠٣): ص ١٠/ ٣٣٧.
(٣) أخرجه الطبري (١٢٠٠٤): ص ١٠/ ٣٣٧.
(٤) أخرجه الطبري (١٢٠٠٥): ص ١٠/ ٣٣٧.
(٥) الكشاف: ١/ ٦٣٦.
(٦) الوجيز: ٣٢٠.
(٧) درج الدرر: ٢/ ٦٧٢.
(٨) تفسير الراغب الأصفهاني: ٤/ ٣٥٨ - ٣٥٩.