وفي قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [المائدة: ٤٣]، قولان:
أحدهما: : أن توليهم، ما تركوا من كتاب الله، أي: بعد حكم الله في التوراة. وهذا قول عبدالله بن كثير (١).
والثاني: بعد تحكيمك. ذكره الماوردي (٢)، واختاره الواحدي (٣).
والثالث: بعد البيان. وهذا قول مقاتل بن حيان (٤).
قوله تعالى: ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٤٣]، أي: "وليس أولئك المتصفون بتلك الصفات، بالمؤمنين بالله وبك وبما تحكم به" (٥).
قال مقاتل بن حيان: "يعني: اليهود" (٦).
قال مكي: " أي: ما من فعل هذا بمؤمن" (٧).
قال الزمخشري: أي: " بكتابهم كما يدعون. أو وما أولئك بالكاملين في الإيمان على سبيل التهكم بهم" (٨).
قال الراغب: " أي: لا يصدقونك فيما تحكم به، والواو واو حال" (٩).
قال الطبري: " يقول: ليس من فعل هذا الفعل - أي: من تولّى عن حكم الله، الذي حكم به في كتابه الذي أنزله على نبيه، في خلقه بالذي صدَّق الله ورسوله فأقرّ بتوحيده ونبوّة نبيه صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك ليس من فِعل أهل الإيمان" (١٠).
قال السعدي: " أي: ليس هذا دأب المؤمنين، وليسوا حريين بالإيمان. لأنهم جعلوا آلهتهم أهواءهم، وجعلوا أحكام الإيمان تابعة لأهوائهم" (١١).
وأصل التولى عن الشيء، الانصرافُ عنه (١٢).
وفي قوله تعالى: ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٤٣]، قولان (١٣):
أحدهما: أي فى تحكيمك أنه من عند الله مع جحودهم نبوتك.
والثاني: يعني فى توليهم عن حكم الله غير راضين به.
الفوائد:
١ - تقرير كفر اليهود وعدم إيمانهم.
٢ - ومن الفوائد: أنه كان حتى عهد الرسول ﷺ نسخ غير محرفة من التوراة والإنجيل بدلالة قوله تعالى: ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فِيهِ﴾ [المائدة: ٤٧] وقوله: ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ﴾ [المائدة: ٤٣]، وقوله: ﴿لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [المائدة: ٦٨].
فقد كانت هناك نسخ كثيرة محرفة وبعض النسخ لم يصبها التحريف، ولكن اليهود كانوا يخفونها، ولعلّ بعضاً من هذه النسخ لا تزال إلى يومنا يخفيها بعض علماء اليهود والنصارى،
(٢) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٤١.
(٣) انظر: الوجيز: ٣٢٠.
(٤) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٦٣٩٧): ص ٤/ ١١٣٧.
(٥) التفسير الميسر: ١١٥.
(٦) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٣٩٨): ص ٤/ ١١٣٧.
(٧) الهداية إلى بلوغ النهاية: ٣/ ١٧٢٥.
(٨) الكشاف: ١/ ٦٣٦.
(٩) تفسير الراغب الأصفهاني: ٤/ ٣٥٩.
(١٠) تفسير الطبري: ١٠/ ٣٣٧.
(١١) تفسير السعدي: ٢٣٢.
(١٢) انظر: تفسير الطبري: ١٠/ ٣٣٧.
(١٣) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٤١.