ويذكر صاحب كتاب "محمد نبي الإسلام" (١)، نقلاً عن مجلة "أيكونومست" البريطانية أن أول عمل يؤديه المرشح لوظيفة في "الكوريا"، أي: الإدارية المركزية للكنيسة الكاثولوكية هو أن يقسم اليمين المقدسة على كتمان كل شيء يصل إلى علمه أو يقع تحت بصره، من معلومات خصوصاً عن ثروة الكنيسة ومواردها إلى جانب ما يملكه الفاتيكان من تحف وثروة فنية تعتبر من أثمن الثروات في العالم. ولا شك أن عبارة ثروة فنية تشمل مكتبة الفاتيكان الضخمة بما تحويه من كتب في الديانة المسيحية لو تركت للبحث العلمي الحر لألقت أضواءً لامعة على حقبة مجهولة من تاريخ المسيحية في قرونها الأولى المظلمة.
القرآن
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤)﴾ [المائدة: ٤٤]
التفسير:
إنا أنزلنا التوراة فيها إرشاد من الضلالة، وبيان للأحكام، وقد حكم بها النبيُّون -الذين انقادوا لحكم الله، وأقروا به- بين اليهود، ولم يخرجوا عن حكمها ولم يُحَرِّفوها، وحكم بها عُبَّاد اليهود وفقهاؤهم الذين يربُّون الناس بشرع الله; ذلك أن أنبياءهم قد استأمنوهم على تبليغ التوراة، وفِقْه كتاب الله والعمل به، وكان الربانيون والأحبار شهداء على أن أنبياءهم قد قضوا في اليهود بكتاب الله. ويقول تعالى لعلماء اليهود وأحبارهم: فلا تخشوا الناس في تنفيذ حكمي; فإنهم لا يقدرون على نفعكم ولا ضَرِّكم، ولكن اخشوني فإني أنا النافع الضار، ولا تأخذوا بترك الحكم بما أنزلتُ عوضًا حقيرًا. الحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر، فالذين يبدلون حكم الله الذي أنزله في كتابه، فيكتمونه ويجحدونه ويحكمون بغيره معتقدين حله وجوازه فأولئك هم الكافرون.
قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾ [المائدة: ٤٤]، أي: " إنا أنزلنا التوراة على موسى فيها بيانٌ واضح ونور ساطع يكشف ما اشتبه من الأحكام" (٢).
قال القرطبي: " أي: بيان وضياء وتعريف أن محمدا ﷺ حق" (٣).
قال الماوردي: "يعني بالهدى: الدليل. وبالنور: البيان" (٤).
قال المراغي: " أي: إنا أنزلنا التوراة على موسى مشتملة على هدى وإرشاد للناس إلى الحق، ونور وضياء يكشف به ما تشابه عليهم وأظلم، وبهذا الهدى خرج بنو إسرائيل من وثنية المصريين وضلالهم، وبذلك النور أبصروا طريق الاستقلال فى أمر دينهم ودنياهم" (٥).
قال السعدي: " ﴿فيها هدى﴾: يهدي إلى الإيمان والحق، ويعصم من الضلالة، ﴿ونور﴾: يستضاء به في ظلم الجهل والحيرة والشكوك، والشبهات والشهوات، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٨] " (٦).
قوله تعالى: ﴿يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ [المائدة: ٤٤]، أي: " يحكم بالتوراة أنبياء بني إِسرائيل الذين انقادوا لحكم الله لليهود، فلا يخرجون عن حكمها ولا يُبدّلونها ولا يُحرّفونها" (٧).
قال ابن كثير: "أي: لا يخرجون عن حكمها ولا يبدلونها ولا يحرفونها" (٨).
(٢) صفوة التفاسير: ٣١٨.
(٣) تفسير القرطبي: ٦/ ١٨٨.
(٤) النكت والعيون: ٢/ ٤١.
(٥) تفسير المراغي: ٦/ ١٢٣.
(٦) تفسير السعدي: ٢٣٢.
(٧) صفوة التفاسير: ٣١٨.
(٨) التفسير الميسر: ٣/ ١١٧.