أي تائب، وقال ابن عرفة: "هدنا إليك" أي سكنا إلى أمرك، والهوادة السكون والموادعة. قال: ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا﴾، وقرأ أبو السمال: «هادوا»، بفتح الدال (١).
والثالث: نُسِبُوا إلى يهوذا أكبر ولد يعقوب، فقلبت العربُ الذال دالاً، لأن الأعجمية إذا عُرِّبت، غيرت من لفظها.
والرابع: أنها مشتقة من هاد، يهود؛ فالهود: الميل والرجوع؛ لأن اليهود كانوا كلما جاءهم نبي أو رسول هادوا إلى ملكهم ودلوه عليه ليقتلوه.
والخامس: أنه من التهويد، وهو النطق في سكون ووقار ولين، وسموا بذلك لأنهم يتهودون عند قراءة التوراة. حكاه ابن عطية عن الزهراوي (٢)، وأنشد قول الراعي النميري (٣):

وخودٌ من اللائي تَسَمَّعْنَ بالضُّحَى قريضَ الرُّدَافَى بالغِنَاءِ المُهَوَّدِ
والسادس: أنه من الهوادة، وهي الخضوع، فـ ﴿هدنا إليك﴾، أي: خضعنا إليك.
والسابع: «هاد يهيد»، أي: تحرك، ومنه سمي اليهود؛ لتحركهم في دراستهم، قاله أبو عمرو بن العلاء (٤).
وأما من حيث نسبة هذا الاسم فقيل: نسبة إلى يهوذا بالذال المعجمة، وهو ابن يعقوب - عليه السلام -، فغيرته العرب من الذال المعجمة إلى الدال المهملة، جريا على عادتها في التلاعب بالأسماء الأعجمية، فعرب ونسب الواحد إليه، فقيل يهودي، ثم حذف الياء في الجمع، فقيل يهود (٥).
وقد ورد بأن اليهود يرجعون إلى بقايا جماعة يهوذا الذين سباهم نبوخذ نصّر إلى بابل في القرن السادس (ق. م)، وهؤلاء سموا كذلك نسبة إلى مملكة ومنطقة يهوذا (١٣٩ - ٦٨٥ ق. م)، ولم تستعمل هذه التسمية إلا في عهد مملكة يهوذا، لذلك فهي تسمية متأخرة ولا صلة لها بيهوذا ويعقوب، اللذين عاشا في القرن السابع عشر قبل الميلاد، ولعل -يهوذا- كانت اسم مدينة في فلسطين منذ عهد الكنعانيين، فبعد أن نزحت جماعة موسى عليه السلام إلى فلسطين تكونت مملكة يهوذا بعد عصر يعقوب وابنه -يهوذا- بحوالي ألف عام في منطقة يهوذا الكنعانية، فسميت باسمها، ثم انتشر استعمال اسم اليهود بعد السبي البابلي منذ القرن السادس للميلاد (٦).
وقد ذكروا في القرآن بعبارات عدة، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٦٢]، وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [البقرة: ١٣٥]، والآيات في ذكرهم باسم اليهود كثيرة، وذكر شيخ الاسلام: " أن هؤلاء المذكورين في الآية، الذين أثنى الله عليهم من الذين هادوا والنصارى كانوا مسلمين مؤمنين لم يبدلوا ما أنزل الله ولا كفروا بشيء مما أنزل الله؛ فاليهود والنصارى صاروا كفاراً من جهة تبديلهم لما أنزل الله، ومن جهة كفرهم بما أنزل على محمد" (٧).
(١) انظر: تفسير القرطبي: ١/ ٤٣٢.
(٢) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ١٥٧.
(٣) انظر: تهذيب اللغة، باب ا"الهاء والدال"، و"خوط"، ومقاييس اللغة، مادة"ردف"، وأساس البلاغة، باب"ردف"، والعباب الزاخر، "ردف"، واللسان، مادة"ردف"، وتاج العروس، مادة"وخد"، "هود"، "ردف"، وغريب الحديث للقاسم بن سلام: ٤/ ٢٨٧، والمحرر الوجيز: ١/ ١٥٧، وواللباب: ٦٣..
(٤) انظر: اللباب في علوم الكتاب: ٢/ ١٣٣.
(٥) انظر: اللسان، مادة: "هود"، وتفسير القرطبي: ١/ ٤٣٣، والمحرر الوجيز: ١/ ١٥٧، والدر المصون: ١/ ٤٠٥، واللباب في علوم الكتاب: ٢/ ١٣٣.
(٦) انظر: مفصل العرب واليهود في التاريخ: ٩٢٥.
(٧) مجموع الفتاوى (٢١/ ٩١).


الصفحة التالية
Icon