ولهذا فإن لفظ اليهود هو اسم خاص بالمنحرفين من بني إسرائيل.. وهو لفظ أعم من لفظة "عبرانيين" (١) و"بني إسرائيل" (٢) وذلك لأن لفظة يهود تطلق على العبرانيين وعلى غيرهم ممن دخل في دين اليهود وهو ليس منهم، وفي الحقيقة أنه لا يستطيع أحد أن يجزم بتحديد التاريخ الذي أطلقت فيه هذه التسمية على بني إسرائيل وسبب إطلاقها، لعدم وجود دليل على ذلك لا من الكتاب ولا من السنة، وإنما بنيت الاجتهادات السابقة على تخمينات لغوية لا تقوم بها حجة؛ غير أننا نستطيع أن نستنتج من الاستعمال القرآني لكلمة "يهود" أن هذه التسمية إنما أطلقت عليهم بعد انحرافهم عن عبادة الله وعن الدين الصحيح، وذلك لأنه لم يرد في القرآن الكريم إطلاق اليهود على سبيل المدح، بل لم تذكر عنهم إلا في معرض الذم والتحقير، وإظهار صفاتهم وأخلاقهم الذميمة، والتنديد بكفرهم.
قوله تعالى: ﴿وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٤٤]، أي: " وكذلك حكم العلماء منهم والفقهاء، بسبب أمر الله إِياهم بحفظ كتابه من التحريف والتضييع" (٣).
قال ابن كثير: " أي: وكذلك الربانيون منهم وهم العباد العلماء، والأحبار وهم العلماء، بما استودعوا من كتاب الله الذي أمروا أن يظهروه ويعملوا به" (٤).
ويرى البعض أن هذه اللفظة لم تظهر إلا بعد اجتياز إبراهيم نهر الفرات"، فضلا ً عن أن الأخذ بهذا الرأي أقرب إلى الصحة والصواب من الآراء الأخرى
وقيل: لفظ "العبري" أطلق تاريخياً على شراذم من الغجر الرحل كانوا يعيثون في الأرض فسادا، ويتبعون الجيوش الغازية، بوصفهم مرتزقة يستعان بهم في الأعمال الدنية، ووصفهم إبراهيم بأنه "عبري" غير صحيح، إلا إذا أخذنا من لفظ عبري معنى: الترحال والتنقل، وقد ألصق اليهود بإبراهيم وصف "العبري" ليصلوا إلى وصف لغتهم بأنها "العبرية" قديمة ترجع إلى زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهذا كلام باطل لأن اللغة العبرية جاءت متأخرة جداً عن زمن إبراهيم، وهي لهجة آرامية عربية، ظهرت بعد عصر موسى بحوالي ست مئة سنة ولأن التوراة نزلت باللغة الهيروغلوفية، حيث تخاطب قوما في مصر أو أخرجوا من مصر.
وأرى أن الذي ذكره هو الصواب؛ فاللغة العبرية لغة متأخرة جداً عن زمن الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام. (انظر: العرب واليهود في التاريخ: الأستاذ شراب: ٣٦).
(٢) تم إطلاق مصطلح إسرائيليين على شتات اليهود القادمين إلى فلسطين بعد إعلان اليهود قيام دولة أسموها "إسرائيل" في ٥١ مايو ٨٤٩١ م؛ فأصبح كل من يعيش على أرض فلسطين من اليهود يأخذ مُسَمى "إسرائيلي"، وجنسية "إسرائيلية"، ومجموع شتاتهم على أرض فلسطين المغتصبة "إسرائيليين"! !
وشاعت تلك التسميات على ألسن الناس عموماً وفي بلاد المسلمين أيضاً، حيث أطلق على الكيان اليهودي والصهيوني "إسرائيل" واليهودي "بالإسرائيلي"، وشاع مصطلح "إسرائيليون" على اليهود الذين أتوا إلى فلسطين غزاة...
وإسرائيل كلمة عبرانية مركبة من "إسرا" بمعنى: عبد، ومن "إيل" وهو الله، فيكون معنى الكلمة: عبد الله، وإسرائيل اسم لنبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام، وجاء في تسمية بني إسرائيل بهذا الاسم نسبة إلى أبيهم يعقوب عليه الصلاة والسلام، ويهود اليوم التصقوا بهذا الاسم، ليلبسوا على العامة بأنهم من نسل "إسرائيل" يعقوب عليه الصلاة السلام، ولإثبات عدم اختلاطهم بالشعوب الأخرى ليتحقق لهم الزعم بنقاء الجنس اليهودي، وأن يهود اليوم هم النسل المباشر ليهود التوراة، وذلك لتبرير العودة إلى أرض الميعاد! !
لذا فهذه التسمية منكرة، لما شاع على الألسن القول في سياق الذم فعلت إسرائيل كذا، وستفعل كذا؛ وإسرائيل هو رسول كريم من رسل الله تعالى، وهو "يعقوب" عليه الصلاة والسلام، وهو بريء من الكيان اليهودي الخبيث الماكر، إذ لا توارث بين الأنبياء والرسل وبين أعدائهم من الكافرين.
(٣) انظر: الكشاف: ١/ ٦٣٧ وصفوة التفاسير: ٣١٨.
(٤) التفسير الميسر: ٣/ ١١٧.