قال الزمخشري: أي: " وكذلك حكم الربانيون والأحبار والمسلمون، بسبب ما استحفظهم أنبياؤهم من كتاب الله والقضاء بأحكامه، وبسبب كونهم عليه شهداء.
ويجوز أن يكون الضمير في: ﴿استحفظوا﴾ للأنبياء والربانيين والأحبار جميعا ويكون الاستحفاظ من الله، أى كلفهم الله حفظه وأن يكونوا عليه شهداء" (١).
قال المراغي: " أي: ويحكم بها الربانيون والأحبار فى الأزمنة التي لم يكن فيها أنبياء معهم أو يحكمون مع وجودهم بإذنهم بسبب ما أودعوه من الكتاب وائتمنوا عليه وطلب منهم أنبياؤهم حفظه، كالعهد الذي أخذه موسى بأمر الله على شيوخ بنى إسرائيل بعد أن كتب التوراة أن يحفظوها ولا يحيدوا عنها" (٢).
قال السعدي: " أي: وكذلك يحكم بالتوراة للذين هادوا أئمة الدين من الربانيين، أي: العلماء العاملين المعلمين الذين يربون الناس بأحسن تربية، ويسلكون معهم مسلك الأنبياء المشفقين. و «الأحبار»، أي: العلماء الكبار الذين يقتدى بأقوالهم، وترمق آثارهم، ولهم لسان الصدق بين أممهم" (٣).
و«الأحبار»: جمع حَبْر، بالفتح والكسر، وهو العالم (٤)، وفي سبب تسميته أقوال:
أحدها: أنه سُمِّي بذلك اشتقاقاً من التحبير، وهو التحسين، لأن العالم يحسن الحسن ويقبح القبيح، ويحتمل أن يكون ذلك لأن العلم فى نفسه حسن. وهذا قول الفراء (٥).
والثاني: وقال الثوري سألت الفراء: لم سمي الحبر حبرا؟ فقال: يقال للعالم: حَبر، وحِبر، والمعنى: مداد حبر، ثم حذف كما قال تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢] (٦).
والثالث: أنه سمي حبرا، لتأثيره يقال على أسنانه حبرة أي صفرة أو سواد. وهذا قول الأصمعي (٧).
وفي قوله تعالى: ﴿اسْتُحْفِظُوا﴾ [المائدة: ٤٤]، تأويلان:
أحدهما: استودعوا، وهو قول الزجاج (٨)، والأخفش (٩)، والنحاس (١٠).
والثاني: العلم بما حفظوا، وهو قول الكلبي (١١).
قال السعدي: " وذلك الحكم الصادر منهم الموافق للحق ﴿بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء﴾ أي: بسبب أن الله استحفظهم على كتابه، وجعلهم أمناء عليه، وهو أمانة عندهم، أوجب عليهم حفظه من الزيادة والنقصان والكتمان، وتعليمه لمن لا يعلمه، وهم شهداء عليه، بحيث أنهم المرجوع إليهم فيه، وفيما اشتبه على الناس منه" (١٢).
قوله تعالى: ﴿وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة: ٤٤]، أي: "وكانوا رقباء على الكتاب لئلا يبدل" (١٣).
قال ابن عباس: " هم الشهداء لمحمد ﷺ بما قاله إنه حق جاء من عند الله، فهو نبي الله محمد ﷺ أتته اليهود فقضى بينهم بالحق" (١٤).
(٢) تفسير المراغي: ٦/ ١٢٣.
(٣) تفسير السعدي: ٢٣٢.
(٤) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٤٢.
(٥) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٤٢.
(٦) انظر: معاني القرآن للنحاس: ٢/ ٣١٤.
(٧) انظر: معاني القرآن للنحاس: ٢/ ٣١٤.
(٨) انظر: معاني القرآن: ٢/ ١٧٨.
(٩) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٤٢.
(١٠) انظر: معاني القرآن: ٢/ ٣١٤.
(١١) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٤٢.
(١٢) تفسير السعدي: ٢٣٢.
(١٣) انظر: الكشاف: ١/ ٦٣٧.
(١٤) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٤١٧): ص ٤/ ١١٤١.