قال مقاتل: " عرضا يسيرا مما كانوا يصيبون من سفلة اليهود من الطعام والثمار" (١).
قال الطبري: أي: " ولا تأخذوا بترك الحكم بآيات كتابي الذي أنزلته على موسى، أيها الأحبار، عوضًا خسِيسًا وذلك هو الثمن القليل، وإنما أراد تعالى ذكره، نهيَهم عن أكل السحت على تحريفهم كتاب الله، وتغييرهم حكمه عما حكم به في الزانيين المحصنين، وغير ذلك من الأحكام التي بدَّلوها طلبًا منهم للرشَى" (٢).
قال المراغي: " أي: ولا تتركوا بيانها للناس والعمل بها لقاء منفعة دنيوية قليلة تأخذونها من الناس كرشوة أو جاه أو غيرهما من الحظوظ العاجلة التي تصدكم عن الاهتداء بآيات الله وتمنعكم عن الخير العظيم الذي تنالونه من ربكم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم" (٣).
قال السعدي: أي: " فتكتمون الحق، وتظهرون الباطل، لأجل متاع الدنيا القليل، وهذه الآفات إذا سلم منها العالم فهو من توفيقه وسعادته، بأن يكون همه الاجتهاد في العلم والتعليم، ويعلم أن الله قد استحفظه ما أودعه من العلم واستشهده عليه، وأن يكون خائفا من ربه، ولا يمنعه خوف الناس وخشيتهم من القيام بما هو لازم له، وأن لا يؤثر الدنيا على الدين.
كما أن علامة شقاوة العالم أن يكون مخلدا للبطالة، غير قائم بما أمر به، ولا مبال بما استحفظ عليه، قد أهمله وأضاعه، قد باع الدين بالدنيا، قد ارتشى في أحكامه، وأخذ المال على فتاويه، ولم يعلم عباد الله إلا بأجرة وجعالة، فهذا قد من الله عليه بمنة عظيمة، كفرها ودفع حظا جسيما، محروما منه غيره" (٤).
وفي قوله تعالى: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [المائدة: ٤٤]، وجوه من التفسير:
أحدها: معناه لا تأخذوا على كتمانها أجراً. ذكره الماوردي (٥).
والثاني: معناه لا تأخذوا على القرآن أجراً. وهذا قول الربيع بن أنس (٦).
والثالث: معناه: لا تأكلوا علينا السحت كما صنعت اليهود. وهذا قول عبدالرحمن بن زيد بن أسلم (٧).
والرابع: معناه: لا تأخذوا طعما قليلا وتكتموا اسم الله فذلك الطمع وهو الثمن. وهذا قول السدي (٨).
قال سعيد بن جبير: " وإن آيات كتابه الذي أنزل إليهم وإن الثمن القليل هو الدنيا وشهواتها" (٩).
قال الحسن: " الثمن القليل: الدنيا بحذافيرها" (١٠).
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤]، أي: " أي من لم يحكم بشرع الله كائناً من كان فقد كفر" (١١).
قال ابن عباس: " من جحد ما أنزل الله فقد كفر. ومن أقرّ به ولم يحكم، فهو ظالم فاسقٌ" (١٢).
(٢) تفسير الطبري: ١٠/ ٣٤٤.
(٣) تفسير المراغي: ٦/ ١٢٣.
(٤) تفسير السعدي: ٢٣٢.
(٥) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٤٢.
(٦) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٦٤٢١): ص ٤/ ١١٤١.
(٧) انظر: : تفسير ابن ابي حاتم (٦٤٢٢): ص ٤/ ١١٤١.
(٨) انظر: : تفسير ابن ابي حاتم (٦٤٢٤): ص ٤/ ١١٤٢.
(٩) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٤٢٣): ص ٤/ ١١٤١.
(١٠) أخرجه ابن ابي حاتم (٦٤٢٥): ص ٤/ ١١٤٢.
(١١) صفوة التفاسير: ٣١٨.
(١٢) أخرجه الطبري (١٢٠٦٣): ص ١٠/ ٣٥٧.