..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَكَر في قوله تعالى: ﴿إِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ (١١١)﴾ (١) أن (ثم) للدلالة على بُعْد مابين توليتهم الأدبار، وكونهم ينصرون.
وكذا ما قِيل: من أن التفاوت يُفْهَم من: كَوْن أحدهما مأمورا به، والآخر منهيا عنه.
سواء كان العطف بـ (ثم) أو بـ (الفاء) أو بـ (الواو)؛ لأن المراد أن في كلمة (ثم) دلالة على ذلك من حيث كونه في الأصل للتراخي، ولا كذلك الفاء والواو، والأمر والنهي حتى لو عُلِم ذلك، عُلِم بالعقل." (٢)
على أَنّا نقول: إن كلمة (ثم) تدل على كونهما كذلك في حد ذاته، مع قطع النظر عن تعلق الأمر والنهي. تأمل. فإن ذلك من معاضل (ك) " (٣). (ع)
وفي (ز):
" (وثم لتفاوت إلخ) (٤) لما حمل الإفاضة في ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا﴾ على الإفاضة من عرفات، توجه سؤال: كيف يصح حينئذ عطف هذه الجملة على جملة (اذكروا الله) جواب ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ﴾، مع استلزامه تأخر الإفاضة من عرفات عن نفسها؟
فأجاب: بأن (ثم) لتفاوت ما بين الإفاضة من عرفات، والإفاضة من المزدلفة، فإن الأولى سُنة (٥) قديمة متواترة من زمن إبراهيم - عليه السلام -، والثانية طريقة مبتدعة (٦)، وكل مبتدعة ضلالة، ولا شك في تراخي الضلالة عن الهدى رتبة.
_________
(١) سورة: آل عمران، الآية: ١١١.
(٢) مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (١٣١ / ب).
(٣) مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (٣٣١ / ب - ٣٣٢ / أ، ب - ٣٣٣ / أ).
(٤) ما بين القوسين في حاشية شيخ زادة هو من كلام الإمام البيضاوي.
(٥) السنة: هي الطريقةُ المستقيمة المحمودة، وهي في الأصل: طريقٌ سنه أَوَائِل النَّاس فَصَارَ مَسلَكاً لمَن بعدَهم. وسَنَّ فلانٌ طَرِيقا من الْخَيْر يَسُنّه: إِذا ابْتَدَأَ أمرا من البِرّ لم يَعرِفه قَومُه، فاستَنُّوا بِهِ وسلَكُوه. ينظر: تهذيب اللغة - باب السين (١٢/ ٢١٠)، القاموس الفقهي - حرف السين (١/ ١٨٣).
(٦) المُبْتَدَعَة: هي ما خالف السنّة. وسمُّيت بِذلك؛ لأن قائلها ابتدعها من غير مقال سبقه. وَلِهَذَا قيل: لمن خَالف السّنة: مُبْتَدِع. لِأَنَّهُ أحدث فِي الْإِسْلَام مَا لم يسْبقهُ إِلَيْهِ السَّلَف. ينظر: تهذيب اللغة - باب العين (٢/ ١٤٣)، شمس العلوم - حرف الباء (١/ ٤٥١).


الصفحة التالية
Icon