..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
واعترض ابن الحاجب: " بأن أفعل للمفعول شاذ، لا يرجع إليه إلا بثبت." (١) (٢)
فالوجه: أن هذا من عطف الجملتين، أي: (اذكروا ذكرا مثل ذكركم آباءكم، أو اذكروا الله حال كونكم أشد ذكرا من ذكر آبائكم)، وليس من عطف المفرد؛ ليلزم التشارك في العامل.
وأجيب: بأن أفعل هو لفظ ﴿أَشَدَّ﴾، وما هو إلا للفاعل، ولا يلزم من [جعل تمييزه] (٣) مصدرا من المبني للمفعول (٤) محذور، كما إذا جعل من الألوان والعيوب، مثل: أشد بياضا وعورا، أو من غير الثلاثي المجرد، مثل: أشد دحرجة واستخراجا.
وإذا أريد الدلالة على أن مضروبية زيد أشد من مضروبية عمرو، فهل طريق سوى أن يقال: أشد مضروبية؟ ! فهذا مثله.
وما ذكر من الوجه بعيد جدا؛ لظهور كونه من عطف المفرد، وعدم انسياق الذهن إلى ما ذكره.
واعلم أن ههنا وجها ظاهرا لم يذهبوا إليه، وهو: أن يكون نصبا عطفا على ﴿كَذِكْرِكُمْ﴾، [أو جرا عطفا على (ذكركم)] (٥)، والمعنى: ذكرا أشد ذكرا، على الإسناد المجازي؛ وصفا للشاء بوصف صاحبه، كما تقول جد جده، وشديد الصفرة صفرته.
_________
(١) ينظر: الإيضاح شرح المفصل، لابن الحاجب (١/ ٦٥٤ - ٦٥٥) بتصرف.
(٢) ذكرنا فيما سبق: شروط صوغ اسم التفضيل من الفعل، ومنها: كون هذا الفعل مبنيا للمعلوم (أي للفاعل)، وليس للمجهول (أي المفعول)، فإن أُريدَ صوغُ اسمِ التفضيل ممّا لم يَستوفِ هذا الشرط أو غيره، يُؤتى بمصدره منصوباً بعدَ "أَشدَّ" أو "أَكثرَ" أو نحوهما، تقولُ: " زيد أشد مضروبية من عمرو"، ومن ثم أصبح عندنا لفظان اتحدا للدلالة على التفضيل: لفظ " أشد"، ولفظ " مضروبية "، الأول: على وزن أفعل وهو مستوف شروط الصوغ، فلا إشكال فيه، والثاني: مصدر مصاغ من الفعل المبني للمفعول، ولا إشكال فيه أيضا؛ لأنه لم يتم التعجب من فعله مباشرة وإنما بالطريقة التي نص عليها النحاة. فليس المقام هنا محل لهذا الاعتراض.
(٣) في ب: جعله تمييز. والمثبت أعلى هو الصحيح.
(٤) المبني للمفعول: هو الفعل الذي استغنى عن فاعله، فأقيم المفعول مقامه، وأسند إليه معدولاً عن صيغة فَعَل إلى فُعِل، ويسمى فعل ما لم يسم فاعله، ويسمى المبني للمجهول. فتقول في نحو: ضَرَب خَالِدُ زَيْدَاً: ضُرِبَ زَيْدُ. ينظر: المفصل في صنعة الإعراب (١/ ٣٤٣)، شرح ابن عقيل (٢/ ١١٢)، همع الهوامع (٣/ ٣١٢).
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من ب.


الصفحة التالية
Icon