..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بين الأمرين المتعاطفين (١) (٢).
و(الفاء) لتفصيل ماعليه الناس في الذكر (٣) بحسب نفس الأمر، فإن من يذكر الله بطلب الآخرة غير موجود؛ إذ ما من أحد إلا وله حاجة عاجلة إليه - تعالى -، والذكر بقدر الحاجة؛ ولذا كان طالب الدنيا مُقلا في الذكر أي: آتياً بالذكر القليل. وطالب الدنيا والآخرة مكثر.
وأما ما يقوله بعض جهال الصوفية (٤): من أن عبادتنا لذاته تعالى فارغة عن الأغراض والأعراض.
فقد قال الإمام (٥) في الإحياء (٦): " إنه جهل وكفر؛ لأن عدم التعليل في الأفعال مختص بذاته تعالى." (٧)
نعم، إن عبادته تعالى قد تكون لطلب رضاه، لا لخوف مكروه، أو لنيل محبوب، لكن الذكر من أجل حسنات الآخرة يطلبه خُلْصُ عباده، قال الله تعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ (٨).
_________
(١) يقصد بالأمر الأول قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠]، وبالأمر الثاني: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣].
(٢) ينظر: روح المعاني (١/ ٤٨٥).
(٣) ينظر: التحرير والتنوير (٢/ ٢٤٧).
(٤) الصوفية: هم طائفة كانوا في القرن الأول يعرفون باسم الزهاد والنساك والبكائين، وكان اعتقادهم صافياً وإيمانهم نقياً خالصاً ابتعدوا عن الدنيا خوفا من عذاب الآخرة، وهرعوا إلى الكهوف ورءوس الجبال حيث الوحدة الصافية والانعزال عن صخب الحياة المادية. ثم بعد مُضِي عصر الصحابة والتابعين وفي أواخر القرن الثاني الهجري بدأ يطلق عليهم اسم الصوفية (قيل: من لبسهم الصوف، أو من صفائهم، أو من اتصافهم بالصفات الحميدة)، ثم تدرجوا في أطوار عديدة بداية من دخول الألفاظ الموهمة في كلامهم، وصولا إلى تحررهم من التكاليف الشرعية. ينظر: التصوف المنشأ والمصدر (١/ ٢٠) [لإحسان إلهي ظهير الباكستاني، ت: ١٤٠٧ هـ، الناشر: إدارة ترجمان السنة، لاهور - باكستان، ط: الأولى، ١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م].
(٥) الإمام: هو محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي، أبو حامد، حجة الإسلام، المتوفى: ٥٠٥ هـ، فيلسوف متصوف، له نحو مائتي مصنف، مولده ووفاته بخراسان، رحل إلى نيسابور ثم إلى بغداد فالحجاز فبلاد الشام فمصر ثم عاد إلى بلدته، من كتبه: (إحياء علوم الدين)، (تهافت الفلاسفة)، (الاقتصاد في الاعتقاد)، (المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى)، (ياقوت التأويل في تفسير التنزيل)، (شفاء العليل) في أصول الفقه. ينظر: شذرات الذهب (٦/ ١٨)، طبقات المفسرين للأدنروي (١/ ١٥٢).
(٦) أي: كتاب الإمام الغزالي المسمى: إحياء علوم الدين.
(٧) لم أقف على هذا الكلام في كتاب إحياء علوم الدين.
(٨) سورة: التوبة، الآية: ٧٢.