..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا ينبغي حمل قوله: ﴿وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (١) على أنه لا يناقشهم؛ ليسرع وصولهم إلى الفوز بالسعادة الأبدية." (٢) أهـ
وفي (ع):
" (إشارة إلى الفريق الثاني): وهذا أقرب إلى النظم؛ لأن قوله: ﴿أُوْلَئِكَ﴾ إلخ في مقابلة قوله: ﴿وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ (٣).
والتعبير باسم الإشارة (٤)؛ للدلالة على أن اتصافهم بما سبق عِلَّة (٥) للحكم المذكور،
_________
= كما ذكر الإمام الزمخشري وتبعه القاضي البيضاوي وتبعهما الإمام أبو السعود، وعليه الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (٥/ ٣٣٨)، والإمام الآلوسي في " روح المعاني " (١/ ٤٨٧).
وأغلب القائلين بهذا الرأي ذكر الاحتمال الثاني بصيغة التضعيف (قيل) على نحو قول الإمام القرطبي في تفسيره (٢/ ٤٣٤): " قَوْلُهُ تَعَالَى: " ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا﴾ هَذَا يَرْجِعُ إِلَى الْفَرِيقِ الثَّانِي فَرِيقِ الْإِسْلَامِ، أَيْ: لَهُمْ ثَوَابُ الْحَجِّ أَوْ ثَوَابُ الدُّعَاءِ، فَإِنَّ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِ عِبَادَةٌ.
وَقِيلَ: يَرْجِعُ ﴿أُوْلَئِكَ﴾ إِلَى الْفَرِيقَيْنِ، فَلِلْمُؤْمِنِ ثَوَابُ عَمَلِهِ وَدُعَائِهِ، وَلِلْكَافِرِ عِقَابُ شِرْكِهِ وَقِصَرِ نَظَرِهِ عَلَى الدُّنْيَا، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا﴾ [الأنعام: ١٣٢]."
الثالث: يرى ترجيح عود اسم الإشارة على الفريقين معا، ومن أصحاب هذا القول الإمام أبو حيان حيث قال في " البحر المحيط " (٢/ ٣١١ - ٣١٢) ما ملخصه: " فَالظَّاهِرُ أَنَّ: ﴿أُوْلَئِكَ﴾، إِشَارَةٌ إِلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ لَهُ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبَ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شرا فشر.
وَقِيلَ: ﴿أُوْلَئِكَ﴾، مُخْتَصٌّ بِالْإِشَارَةِ إِلَى طَالِبِي الْحَسَنَتَيْنِ فَقَطْ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ عَطِيَّةَ غَيْرَهَ، وَذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِإِزَائِهِ. وَالْأَظْهَرُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ: ﴿أُوْلَئِكَ﴾، إِشَارَةٌ إِلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾، وَهَذَا لَيْسَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ فَرِيقٌ دُونَ فَرِيقٍ، بَلْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ، وَالْحِسَابُ يَعُمُّ مُحَاسَبَةَ الْعَالَمِ كُلِّهِمْ، لَا مُحَاسَبَةَ هَذَا الْفَرِيقِ الطَّالِبِ الْحَسَنَتَيْنِ." وتبعه صاحب الدر المصون (٢/ ٣٤٣).
(١) سورة: البقرة، الآية: ٢٠٢.
(٢) حاشية الشهاب على البيضاوي (٢/ ٢٩٣).
(٣) سورة: البقرة، الآية: ٢٠٠.
(٤) اسم الإشارة: هو الموضوع لمعين في حال الإشارة، وَيشار بـ " ذَا " للمذكر، وَبـ " ذي وذه وتي وته وتا " للمؤنث، و" ذان وتان " للمثنى، بِالْألف رفعا وبالياء جرا ونصبا، و" أولاء " لجمعهما.
فَإِن كَان قَرِيبا جِيءَ باسم الاشارة مُجَردا من الْكَاف وجوبا، ومقرونا بهَا التَّنْبيه جوازا، نحو: جَاءَنِي هَذَا أو ذَا.
وَإِن كَانَ بَعيدا وَجب اقترانه بِالْكَاف، إِمَّا مُجَرّدَة من اللَّام نَحْو: ذَاك، أَو مقرونة بهَا نَحْو: ذَلِك.
ينظر: توضيح المقاصد (١/ ٤٠٥)، شرح قطر الندى (١/ ٩٨).
(٥) العِلَّة: علة الشاء: هي السببٌ، والحُجَّةٌ، والمُبرِّرٌ الذي يتوقف عليه ذلك الشاء، وعلة الحكم: هي الوصف الذي يناط به الحكم الشرعي، يوجد الحكم بوجوده، ويتخلف بانعدامه. ينظر: التعريفات - باب العين (١/ ١٥٤)، معجم لغة الفقهاء - حرف العين (١/ ٣١٩).