..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى الثاني: للاختصاص (١)، أي: الأحكام المذكورة -وإن كانت عامة لجميع المؤمنين- مختصة بالمتقي باعتبار الانتفاع بها، كما في قوله: ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (٢). (٣)
فقوله: (لمن اتقى إلخ)، وقوله: (أو لأجله) نشر على غير ترتيب اللف (٤)؛ أخذا من القريب.
والمراد بالتقوى: المعنى المتعارف، أعني: التجنب عما يؤثم من فعل أو ترك.
ولا يجوز حمله على التجنب عن الشرك؛ لأن الخطاب في جميع ما سبق للمؤمنين." (٥) أهـ
_________
(١) لام الاختصاص: الْأَصْل فِي لَام الْجَرّ أَن تكون للْملك فِيمَا يقبله كَقَوْلِه: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ [التوبة: ٦٠]، إلا فيمَا لَا يَصح لَهُ التَّمَلُّك ولا يقبله، فَاللَّام مَعَه لَام الِاخْتِصَاص كالتي تكون بَين الذاتين نَحْو: ﴿الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [ق: ٣١]. ينظر: الكليات (١/ ٧٨٠).
(٢) سورة: البقرة، الآية: ٢.
(٣) ينظر: روح المعاني (١/ ٤٨٩).
(٤) اللف والنشر: وهو أن تَلُفَّ في الذكر شيئين فأكثر، ثم تذكر متعلقاتها، وفيه طريقتان:
إما أن تبدأ في ذكر المتعلقات بالأول، أو أن تبدأ في ذكر المتعلقات بالآخر.
إذا بدأت بمتعلق الأول، فإنه يسمى لفٌّ ونشر مرتب؛ أي: أن الأول للأول، والثاني للثاني على وفق ترتيبها في النظم، ومثاله في قوله تعالى: ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [القصص: ٧٣]، فقوله: ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ يعود إلى ﴿الَّيْلَ﴾، وقوله: ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِي﴾ يعود لـ ﴿وَالنَّهَارَ﴾.
وإذا بدأت بمتعلق الثاني، فهو لفٌّ ونشر غير مرتب «ويسمى: مشوَّشاً»، فالأول للثاني، والثاني للأول، ومثاله في قوله تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (٤) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (٥)﴾ [الإنسان: ٣: ٥]
فابتدأ بذكر الشاكر، ثم عطف عليه ذكر الكافر، ثم ذكر مآل الكافر، ثم عاد إلى ذكر مآل الشاكر، على طريقة اللف والنشر غير المرتب. ينظر: شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل (٢/ ٣٦١) [لمساعد بن سليمان الطيار، دار ابن الجوزي، ط: الأولى، ١٤٣١ هـ].
وعبارة القاضي البيضاوي من النوع الثاني وهي: " ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾: أي الذي ذكر من التخيير، أو من الأحكام لمن اتقى؛ لأنه الحاج على الحقيقة والمنتفع به، أو لأجله حتى لا يتضرر بترك ما يهمه منهما." هذه الآية خبر لمبتدأ محذوف، هذا المبتدأ تقديره: إما الذي ذكر من التخيير، وإما الذي ذكر من الأحكام السابقة، ذكر علة الثاني بعده مباشرة، وذكر علة الأول بعد ذكر علة الثاني، على طريقة اللف والنشر غير المرتب.
(٥) مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (٣٣٦ / أ).