﴿سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾
ـــــــــــــــــــــــــــــ
﴿سَعَى فِي الْأَرْضِ﴾: " السعي: سير سريع بالأقدام، ومنه السعي بين الصفا والمروة (١)، وقد يستعار للجد في العمل والكسب، ومنه سعاية المكاتب (٢)، ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ (٣) وقول امرئ القيس: وَلَوْ أنّ ما أسعَى لأدْنى مَعِيشَةٍ (٤)
ومنه لجابي (٥) الصدقة: ساع، والسعاية بالقول: مايقتضي التفريق بين الأخلاء. (٦)
وفائدة: ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ مع أن السعي بمعنييه (٧) لا يكون إلا فيها؛ الدلالة على كثرة فساده،
_________
(١) الصَّفَا: الحَجَرُ الصَّلْدُ الْأَمْلَسُ، والمَرْوَةُ: الحجارة الرِّخْوَةُ، وهما اسمان لجبلين بمكة. وَالسَّعْيُ بينهما: هو قَطْعُ الْمَسَافَةِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ذَهَابًا وَإِيَابًا بَعْدَ طَوَافٍ فِي نُسُكِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. ينظر: حلية الفقهاء - باب أعمال الحج (١/ ١١٨)، الموسوعة الفقهية الكويتية - مادة سعى (٢٥/ ١١).
(٢) المُكاتَب: اسم مفعول من كاتب، وهو الرقيق الذي تم عقد بينه وبين سيده على أن يدفع له مبلغا من المال نجوما ليصير حرا، ويسميَ كَسْبُهُ لِهَذَا الْغَرَضِ سِعَايَةً. ينظر: معجم لغة الفقهاء - حرف الميم (١/ ٤٥٥)، الموسوعة الفقهية الكويتية - حرف السين (٢٥/ ٦).
(٣) سورة: النجم، الآية: ٣٩.
(٤) هذا صدر بيت وتمامه:
وَلَوْ أنّ ما أسعَى لأدْنى مَعِيشَةٍ | كَفاني، وَلمْ أطْلُبْ، قَلِيلٌ مِنَ المَالِ |
وَلَكِنّمَا أسْعَى لِمَجْدٍ مُؤثَّلٍ | وَقد يُدرِكُ المَجدَ المُؤثّلَ أمثَالي |
من الطويل، وهذه الأبيات من قصيدة يتغزل فيها ويصف مغامراته وصيده وسعيه إلى المجد.
والبيت فيه تقديم وتأخير، والتقدير: كفاني قليل من المال، ولم أطلب، فقوله: «ولم أطلب» وارد على جهة الاعتراض بين الفعل وفاعله، وإنما أورده؛ تعريفا بتحقير أمر المعيشة وإعراضا عنها وأنه يأتى بأسهل أمر، وإنما الذى يحتاج إلى العناية هو طلب الملك والمجد المؤثّل، والمؤثل: الموروث. ينظر: المثل السائر (٢/ ١٧٥)، الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز (٢/ ٩١).
(٥) جَابِي: اسم فاعل من جَبَى الْخَرَاجَ والمال يَجْبِيه جِبَايَةً: إذا جمعها من المكلَّفين وحصَّلها واستوفاها. ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية - حرف الجيم (١٥/ ٨٩)، معجم اللغة العربية - مادة جبى (١/ ٣٤٥).
(٦) ينظر: مادة (سعى): المفردات (١/ ٤١١)، مختار الصحاح (١/ ١٤٨)، تاج العروس (٣٨/ ٢٧٩).
(٧) أجاز المفسرون حمل قوله تعالى: ﴿سَعَى﴾، على معناه الحقيقي أو المجازي وهما:
المعنى الحقيقي: الْمَشْيُ بِالْقَدَمَيْنِ بِسُرْعَةٍ، وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ هَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْمَعْنَى: وَإِذَا نَهَضَ عَنْكَ يَا مُحَمَّدُ بَعْدَ إِلَانَةِ الْقَوْلِ وَحَلَاوَةِ الْمَنْطِقِ، فَسَعَى بِقَدَمَيْهِ فِي الْأَرْضِ، فَقَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَفْسَدَ فِيهَا، كَمَا فَعَلَهُ الْأَخْنَسُ بِثَقِيفٍ.
وأما المعنى المجازي: فهو الْعَمَلُ، وَهُوَ مَجَازٌ سَائِغٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ، ومنه: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: ٣٩]، وَالْمَعْنَى: سَعَى بِحِيَلِهِ وَإِدَارَةِ الدَّوَائِرِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ نَحَا مُجَاهِدٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَذُكِرَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ: قَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ: مَعْنَاهُ سَعَى فِيهَا بِالْكُفْرِ، وَقَالَ قَوْمٌ بِالظُّلْمِ. ينظر: المحرر الوجيز (١/ ٢٨٠)، زاد المسير (١/ ١٧١)، البحر المحيط (٢/ ٣٢٨)، الدر المصون (٢/ ٣٥١).