﴿مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ﴾ ووصلتْ إليه وتمكَّن من معرفتها.
والتصريحُ بذلك مع أنَّ التبديلَ لا يُتصوَّرُ قبل المجيءِ؛ للإشعار بأنهم قد بدَّلوها بعد ما وقفوا على تفصيلها، كما في قوله- عز وجلَّ -: ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ووصلت إليه) تفسير لـ ﴿جَاءَتْهُ﴾.
قال (ش):
" لما ذكر أن نعمة الله: آياته، وقد وصفت بالإيتاء، فذكر المجيء بعده مع أن التبديل لا يتصور بدون المجيء، وكونه نعمة يقتضي الوصول إليه مستدرك، جعل المجيء مجازا عن معرفتها أو التمكن منها؛ لأن مالم يعلم كالغائب.
والمراد بالمعرفة: معرفة أنها آية ونعمة، لا معرفة ذاتها حتى يرد: أن تبديل الشاء لا يكون إلا بعد معرفته، فالاستدراك بحاله." (١) أهـ
وفي (ع):
" (من بعد ما وصلت إلخ): فيه إشارة إلى أن المجيء كناية عن: التمكن من المعرفة، بواسطة أن المجيء يلزمه الوصول، والوصول يلزمه تمكن من وصل إليه من المعرفة حتى إذا توجه إليها ببصارة علم.
وفائدة هذه الزيادة - وإن كان تبديل الآيات مطلقا مذموما -: [التعريض] (٢) بأنهم بدلوها بعد ما عقلوها، أو بعد ما تمكنوا من معرفتها.
وفيه: تقبيح عظيم بهم، ونعي على شناعة حالهم، واستدلال على استحقاقهم العذاب الشديد؛ حيث بدلوا بعد المعرفة. (٣)
وإليه أشار (ق) بقوله: " (فيعاقبه أشد عقوبة؛ لأنه ارتكب أشد جريمة)." (٤)
وبهذه العناية اندفع ما يترأى من أن التبديل إنما يكون بعد المجيء، فما الفائدة في ذكره.
_________
(١) حاشية الشهاب على البيضاوي (٢/ ٢٩٦ - ٢٩٧).
(٢) في ب: التعرض. والمثبت أعلى هو الصحيح.
(٣) ينظر: مفاتيح الغيب (٦/ ٣٦٦)، مدارك التنزيل (١/ ١٧٦)، البحر المحيط (٢/ ٣٥١)، التحرير والتنوير (٢/ ٢٩٢).
(٤) تفسير البيضاوي (١/ ١٣٤).


الصفحة التالية
Icon