وهذا كما ترى غايةُ الغاياتِ القاصيةِ، ونهايةُ النهايات النائيةِ، كيف لا والرسلُ - مع علوّ كعبهم في الثبات والاصطبارِ - حيث عيلَ صبرُهم، وبلغوا هذا المبلغَ من الضجر والضجيج، عُلم أن الأمرَ بلغ إلى غاية لا مطمح وراءَها.
﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ على تقدير القولِ، أي: فقيل لهم حينئذٍ ذلك؛ إسعافاً لمرامهم. والمراد بالقرب: القُربُ الزمانيُّ.
وفي إيثار الجملة الاسميةِ على الفعلية المناسبة لما قبلها، وتصديرها بحرف التنبيه والتأكيد من الدلالة على تحقيق مضمونها وتقريره مالا يخفى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفي (ع):
" شرط نصب (حتى): أن يكون مدخولها مستقبلا بالحقيقة، أو بالنظر لما قبله، واعتبر ذلك، فإن نظر إلى كون القول المذكور مستقبلا بالنظر إلى ما قبله نصب، وإن نظر إلى أنه حكاية حال ماضية، وكان أصل الكلام: "حتى قال الرسول " رفع؛ لفوات شرط النصب." (١) أهـ
(بلغ إلى غاية) أي: " من الشدة." (٢) (ق)
(على تقدير القول) كذا في (ك) (٣) أيضا.
وفي (ق):
" استئناف أي: فقيل لهم ذلك إسعافا لطلبتهم من عاجل النصرة." (٤) أهـ
فكتب (ع):
"استئناف نحوي (٥)، لا بياني (٦)، فلا يرد: أن الاستئناف لا يكون بالفاء، فالصواب: قيل (٧)." (٨) أهـ
_________
(١) مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (٣٤٤ / ب).
(٢) تفسير البيضاوي (١/ ١٣٥).
(٣) تفسير الكشاف (١/ ٢٥٧)، وفيه بلفظ: على إرادة القول.
(٤) تفسير البيضاوي (١/ ١٣٥).
(٥) ينظر: روح المعاني (١/ ٤٩٩).
(٦) سبق تعريف معنى الاستئناف عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤]، صـ (١٨٣) من هذا الجزء من التحقيق.
والفرق بين الاستئناف البياني والنحوي: أن البياني: ما كان واقعاً في جواب سؤال مقدر، والاستئناف النحوي: هو ما ليس واقعاً في جواب سؤال مقدر. ينظر: فتح رب البرية بشرح نظم الأجرومية (١/ ٢٢٧).
(٧) قال الإمام البيضاوي: (استئناف أي: فقيل)، فقال الإمام عبد الحكيم: إن الإمام البيضاوي يقصد أن هذا استئناف نحوي - حيث يجوز اقترانه بالفاء والواو الاستئنافيتين -[ينظر: جامع دروس العربية (٣/ ٢٨٧)]، وليس هو استئناف بياني، فلا يعترض أحد عليه، فيقول: كان الأولي من الإمام البيضاوي أن يقول: (قيل)، بدون فاء.
(٨) مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (٣٤٤ / ب).


الصفحة التالية
Icon