..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال الطيبي: " ولا يخرج عنده من (الأسلوب الحكيم)، والفرق بينه وبين: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾ (١) أن تزايد الأهلة (٢) وتناقصها لما لم يكن من الأمور المعتبرة في الدين، لم يلتفت إليها رأسا، كما لو سأل السوداوي أن يأكل جبنا، فقال: عليك بمَائِهِ، بخلاف المنفق فهذا الضرب على قسمين." (٣)
والمراد بالحكيم في (الأسلوب الحكيم): الطبيب، ويصح أن يراد صاحب الحكمة، وجعل الأسلوب حكيما مجازا، وضده الأسلوب الأحمق." (٤) (ش)
وفي (ق):
" ﴿يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ﴾ عن ابن عباس: أن عمرو بن الجموح الأنصاري (٥) كان ذا مال عظيم، فقال: يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا؟ وأين ننفقها؟ فنزلت: {قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ
_________
(١) سورة: البقرة، الآية: ١٨٩.
(٢) الأَهِلَّة: جمع الْهِلَال، وهو القمر في أوّل ليلة والثّانية، ثم يقال له القمر، ولا يقال: له هِلَالٌ. ينظر: مادة (هلل) في: الصحاح تاج اللغة (٥/ ١٨٥١)، المفردات (١/ ٨٤٣).
(٣) حاشية الطيبي على الكشاف (٢/ ٣٦٤ - ٣٦٥) باختصار.
الأصل في كلام الطيبي هذا أنه رد على كلام السكاكي حيث قال في " مفتاح العلوم " (١/ ٣٢٧) ما ملخصه: " إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر [له] أساليب متفننة، ولكل من تلك الأساليب عرق في البلاغة، يتشرب من أفانين سحرها. [ومنها: ]
تلقي المخاطب بغير ما يترقب، كما قال [الشاعر، وذكر بيتيّ شعر كمثال].
أو السائل بغير ما يتطلب، كما قال تعالى: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾، قالوا في السؤال: ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط، ثم يتزايد قليلا قليلا حتى يمتلئ ويستوي، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ؟ فأجيبوا بما ترى، وكما قال:
﴿يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ﴾، سألوا عن بيان ما ينفقون فأجيبوا ببيان المصرف | إلخ، وأن هذا الأسلوب الحكيم لربما صادف المقام فحرك من نشاط السامع ما سلبه حكم الوقور، وأبرزه في معرض المسحور." أهـ |
(٥) عمرو: هو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام الأنصاري السلمي، المتوفى: ٣ هـ، صحابي. كان في الجاهلية من سادات بني سلمة وأشرافهم، وهو آخر الأنصار إسلاما. شهد العقبة، ثُمَّ شهد بدرا، واستشهد بأحُد، وَكَانَ عَمْرو بْن الجموح أعرج فقيل لَهُ يَوْم أحد: والله مَا عليك من حرج؛ لأنك أعرج، فأخذ سلاحه وولى، وَقَالَ: والله إِنِّي لأرجو أن أطأ بعرجتي هَذِهِ فِي الجنة. فلما ولى أقبل على القبلة وَقَالَ: اللَّهمّ ارزقني الشهادة، ولا تردني إِلَى أهلي خائبا، فاستشهد، فقال رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " والذي نفسي بيده لقد رَأَيْته يطأ فِي الجنة بعرجته ".
ينظر: الاستيعاب (٣/ ١١٦٨)، أسد الغابة (٤/ ١٩٤)، الإصابة (٤/ ٥٠٦).