﴿قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ جملةٌ من مبتدأ وخبرٍ محلّها النصبُ بـ ﴿قُلْ﴾، وإنما جاز وقوعُ ﴿قِتَالٌ﴾ مبتدأً مع كونه نكرةً؛ لتخصُّصه إما بالوصف إنْ تعلق الظرفُ بمحذوفٍ وقعَ صفةً له، أي: قتالٌ كائن فيه. وإما بالعمل إن تعلق به.
وإنما أوثر التنكير؛ احترازاً عن توهم التعيين، وإيذاناً بأن المرادَ مطلقُ القتال الواقعِ فيه أيِّ قتالٍ كان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
﴿كَبِيرٌ﴾: " أي: ذنب كبير." (١) (ق)
قال (ش):
" لا شبهة في أن الأشهر الحرم حرم فيها القتال، من عهد إبراهيم إلى أوائل الإسلام، وكانت العرب في الجاهلية تدين به، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، حرمت للحج؛ لأنهم يأتون من الأماكن البعيدة، فجعل شهر للمجيء وشهر للذهاب وشهر لأداء المناسك، ورجب؛ لأنهم كانوا يعتمرون فيه، فيأتي للعمرة من حول الحرم، فجعل له شهر، فهي أربعة، ثلاثة سرد وواحد فرد، وإنما الخلاف: هل نسخت حرمتها بعد ذلك أولا؟
فقيل: لم تنسخ، وأنه لا يقاتل فيها إلا من قاتله عدوه فيقاتله للدفع، وهكذا كان يفعل النبي - ﷺ -.
وذهب قوم من الصحابة والفقهاء إلى: أن حرمتها نسخت بآية القتال المذكورة (٢)،
_________
(١) تفسير البيضاوي (١/ ١٣٦).
وقال الإمام الرازي في مفاتيح الغيب (٦/ ٣٨٨): " وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿كَبِيرٌ﴾ أَيْ: عَظِيمٌ مُسْتَنْكَرٌ، كَمَا يُسَمَّى الذَّنْبُ الْعَظِيمُ: كَبِيرَةً، قَالَ تَعَالَى: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ [الكهف: ٥]."
وينظر: تفسير الطبري (٤/ ٣٠٠)، الكشف والبيان (٢/ ١٤٠)، الوسيط، للواحدي (١/ ٣٢١)، تفسير القرطبي (٣/ ٤٥).
(٢) هذا القول نقله المفسرون عن ابْن عَبَّاسٍ، وَسَعِيد بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالضَّحَّاك، وَسُلَيْمَان بْنُ يَسَارٍ، وَقَتَادَة، وَالْأَوْزَاعِيّ، وعطاء بن ميسرة، والزُّهْرِيّ، وسُفْيَان الثَّوْرِيَّ.
واختار هذا القول: الإمام الطبري في تفسيره (٤/ ٣١٣)، الإمام النحاس في " الناسخ والمنسوخ " (١/ ١٢١)، وسيأتي تفصيل المسألة فيما بعد.