..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال (ز):
"فإن قيل: ﴿قِتَالٌ﴾ نكرة فلو أعيد معرفة لكان عين الأول، ودل على استعظام المذكور المسئول عنه، وهو قتال عبد الله بن جحش، وحيث أعيد نكرة، كان غير الأول، فلم يفهم استعظام قتال عبد الله وعده كبيرة، فما الوجه؟
والجواب: أن ليس المراد تعظيم المسئول عنه حتى يعاد بـ (أل)، بل المراد تعظيم القتال المغاير لهذه الوقيعة، إلا أنه لم يصرح بهذا المقصود، بل أبهم الكلام للإيهام؛ وذلك لأن قتاله كان لنصرة الإسلام، وإذلال الكفر وأهله، فليس من الكبائر، بل الذي يكون منها هو القتال المغاير له، وهو ما كان فيه إذلال الإسلام ونصرة الكفر، فاختير التنكير لهذه [الدقيقة] (١)، وأبهم الكلام، بحيث يكون ظاهره كالموهم لما أرادوه، وباطنه موافقا للحق، لكونه أدخل في النصح، وإصغاء الخصم إلى كلام الناصح.
فسبحان من له في كل كلمة من كلمات كتابه سر لطيف، لا يهتدي إليه إلا أرباب الألباب." (٢) أهـ
ولعل هذا ما أشار السعد (٣) سابقا لرده، تأمل (٤).
_________
(١) في ب: الوقيعة، والمثبت أعلى هو الصحيح.
(٢) حاشية زادة على البيضاوي (٢/ ٥١٩).
(٣) عبارة السعد صـ (٣٦٨) من هذا الجزء من التحقيق.
(٤) بيان هذا: حق النكرة المذكورة إذا أعيد ذكرها، أن يعاد معرفة نحو: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ [المزَّمل: ١٥ - ١٦]، فإذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى. ينظر: الإتقان (٢/ ٣٥٢).
وفي هذه الآية أعيدت نكرة، واختلف المفسرون في بيان وجه ذلك على أقوال:
الأول: قول الإمام العكبري: " لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْظِيمَ الْقِتَالِ الْمَذْكُورِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ حَتَّى يُعَادَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، بَلِ الْمُرَادُ تَعْظِيمُ أَيِّ قِتَالٍ كَانَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَعَلَى هَذَا الْقِتَالُ الثَّانِي غَيْرُ الْقِتَالِ الْأَوَّلِ."التبيان (١/ ١٧٤).
ولكن رد عليه الإمام أبو حيان في " البحر المحيط " (٢/ ٣٨٤)، وتبعه صاحب " الدر المصون " (٢/ ٣٩١) حيث ذكر قول الإمام العكبري ثم قال: " وهذا غيرُ واضحٍ؛ لأنَّ الألف واللامَ في الاسمِ المُعادِ أولاً لا تفيدُ تعظيماً، بل إنما تفيدُ العهد في الاسمِ السابقِ.
وأَحْسَنُ منه قَولُ بعضِهم [وهذا هو القول الثاني]: «إنَّ الثاني غيرُ الأولِ، وذلك أنَّ سؤالهم عن قتالِ عبدِ الله بن جحش، وكان لنصرةِ الإِسلامِ. وخُذْلانِ الكفرِ فليس من الكبائرِ، بل الذي من الكبائرِ قتالٌ غيرُ هذا، وهو ما كانَ فيه إذلالُ الإِسلامِ ونصرةُ الكفرِ، فاختير التنكيرُ في هذين اللفظين لهذه الدقيقةِ، ولو جِيء بهما معرفتين أو بأَحدِهما مُعَرَّفاً لَبَطَلَتْ هذه الفائدةُ»."
ومن أصحاب هذا القول الإمام الرازي في " مفاتيح الغيب " (٦/ ٣٨٨)، وشيخ زادة في حاشيته على البيضاوي (٢/ ٥١٩).=