عن عطاءٍ أنه سُئل عن القتال في الشهر الحرام، فحلف بالله ما يحِلّ للناس أن يغزوا في الحَرَم، ولا في الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا فيه، وما نُسخت.
وأكثرُ الأقاويل: أنها منسوخةٌ بقوله - تعالى -: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وما نسخت): بل هي محكمة، وروي عن جابر (١): لم يكن رسول الله - ﷺ - يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى. (٢)
(وأكثر الأقاويل إلخ): عرفت الكلام في هذا.
﴿حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ في (ق):
" وهو نسخ للخاص بالعام، وفيه خلاف." (٣)

=ولكن الإمام سعد الدين التفتازاني في حاشيته على الكشاف لم يعجب بهذا الرأي ورده، ينظر: حاشية السعد لوحة (١٣٥ / ب - ١٣٦ / أ)، وأيد صاحبُ " التحرير والتنوير " الإمامَ السعد في ذلك حيث قال: " وَإِنَّمَا لَمْ يُعَرِّفْ لَفْظَ الْقِتَالِ ثَانِيًا بِاللَّامِ مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَغْنَى عَنْ تَعْرِيفِهِ بِاتِّحَادِ الْوَصْفَيْنِ فِي لَفْظِ السُّؤَالِ وَلَفْظِ الْجَوَابِ وَهُوَ ظَرْفُ (فِيهِ)، إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ تَعْرِيفِ النَّكِرَةِ بِاللَّامِ إِذَا أُعِيدَ ذِكْرُهَا إِلَّا التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا تِلْكَ الْأُولَى لَا غَيْرُهَا، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِالْوَصْفِ الْمُتَّحِدِ [يقصد بقرينة أخرى غير التعريف]، قَالَ [السعد] التَّفْتَازَانِيّ: «فالمسئول عَنْهُ هُوَ الْمُجَابُ عَنْهُ، وَلَيْسَ غَيْرُهُ كَمَا توهِّمَ [بعضهم معتمدا] عَلَى أَنَّ النَّكِرَةَ إِذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرَ الْأُولَى؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِضَرْبَةِ لَازِمٍ.» يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ يَتْبَعُ الْقَرَائِنَ." التحرير والتنوير (٢/ ٣٢٥).
(١) جابر: هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري السملي، المتوفى: ٧٨ هـ، صحابي، شهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صغير، ولم يشهد الأولى، غزا مع رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسع عشرة غزوة، وهو من المكثرين في الرواية عن النبي - صلّى الله عليه وسلم -، روى عنه جماعة من الصحابة، وكانت له في أواخر أيامه حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم. روى له البخاري ومسلم وغيرهما ١٥٤٠ حديثا. توفي بالمدينة.
ينظر: الاستيعاب (١/ ٢١٩)، أسد الغابة (١/ ٤٩٢)، الإصابة (١/ ٥٤٦).
(٢) أخرجه الإمام الطبري في تفسيره (٤/ ٣٠٠)، رقم: ٤٠٨١، والإمام النحاس في " الناسخ والمنسوخ " (١/ ١٢١)، بسنده عن أبي الزبير عن جابر، ثم قال الإمام النحاس: " وَهَذَا الْحَدِيثُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ نَسْخِ الْآيَةِ." والرواية لها تتمة وردت عند الإمامين الطبري والنحاس، وهي: " أَوْ يَغْزُوَ فَإِذَا حَضَرَ ذَلِكَ أَقَامَ حَتَّى يَنْسَلِخَ."
وذكره الإمام الرازي في " مفاتيح الغيب " (٦/ ٣٨٨)، والإمام القرطبي في تفسيره (٣/ ٤٤).
(٣) تفسير البيضاوي (١/ ١٣٧).


الصفحة التالية
Icon