..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ففي تنكيرها تنبيه: على أن ليس كل قتال في الشهر الحرام حكمه هذا، فإن قتال النبي - ﷺ - لأهل مكة لم يكن هذا حكمه، فقد قال: (أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.) (١) " (٢) " (٣)
وفي (ش):
" (والأولى منع إلخ) أجيب عنه: بأنه عام بعموم الوصف وقرينة المقام؛ ولذا صح إبداله من المعرفة، أو وقوعه مبتدأ خبره: ﴿كَبِيرٌ﴾ على وجهي إعرابه.
ولو سلم فقتال المشركين مراد قطعا؛ لأن قتال المسلمين لا يحل مطلقا، وأيضا لا يخفى أن سبب النزول يقتضي حرمته، وأنه إنما اغتفر للخطأ فيه.
وأما أن قتال المسلمين لا يحل مطلقا، ففيه: أنه يحل قتال أهل البغي." (٤) أهـ
_________
(١) هذا جزء من حديث رواه ابْن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لا يُخْتَلَى خَلاهَا، وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا، إِلَّا لِمُعَرِّفٍ»، وهذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في " صحيحه " (٣/ ١٤)، رقم: ١٨٣٣، كتاب: جزاء الصيد، بَاب: لا يُنَفَّرُ صَيْدُ الحَرَمِ، وأخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " (٢/ ٩٨٨)، رقم: ١٣٥٥، كِتَاب: الْحَجِّ، بَاب: تَحْرِيمِ مَكَّةَ وَصَيْدِهَا وَخَلَاهَا وَشَجَرِهَا وَلُقَطَتِهَا، إِلَّا لِمُنْشِدٍ عَلَى الدَّوَامِ، مع اختلاف اللفظ عن حديث البخاري، وأخرجه الإمام النسائي في " سننه " (٥/ ٢١١)، رقم: ٢٨٩٢، كِتَاب: مَنَاسِكِ الْحَجِّ، باب: النَّهْيُ أَنْ يُنَفَّرَ صَيْدُ الْحَرَمِ، بزيادة عن لفظ البخاري، وقال عنه الإمام الألباني: صحيح. وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (٤/ ١٣٣)، رقم: ٢٢٧٨، مُسْنَدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، بلفظ البخاري، وقال عنه شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري.
(٢) تفسير الراغب الأصفهاني (١/ ٤٤٧).
(٣) مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (٣٤٦ / ب - ٣٤٧ / أ).
(٤) حاشية الشهاب على البيضاوي (٢/ ٣٠١).
خلاصة مسألة النسخ: اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ: حُرْمَةُ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا في ذَلِكَ الْحُكْمَ هَلْ بَقِيَ أَمْ نُسِخَ؟ على ثلاثة أقوال:
الأول: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَأَنَّ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مُبَاحٌ، وَالنَّاسُ بِالثُّغُورِ الْيَوْمَ جَمِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَرَوْنَ الْغَزْوَ مُبَاحًا فِي الشُّهُورِ كُلِّهَا.
وَالْحُجَّةُ فِي إِبَاحَتِهِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾، ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ جَمْعٌ مُعَرَّفٌ بِلَامِ الْجِنْسِ وَهُوَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَعُمُومُ الْأَشْخَاصِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ عَلَى التَّحْقِيقِ؛ وَلِذَلِكَ قَاتَلَ النَّبِيُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَقِيفًا فِي شَهْرِ ذِي الْقِعْدَةِ عَقِبَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ. وَأَغْزَى أَبَا عَامِرٍ إِلَى أَوْطَاسَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
وهذا القول نقله المفسرون عن ابْن عَبَّاسٍ، وَسَعِيد بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالضَّحَّاك، وَسُلَيْمَان بْنُ يَسَارٍ، وَقَتَادَة، وَالْأَوْزَاعِيّ، وعطاء بن ميسرة، والزُّهْرِيّ، وسُفْيَان الثَّوْرِيَّ.=